صفقة التبادل على المحك: بين تعنت نتنياهو وضغوط ترامب.. هل تقترب من نهايتها؟

المشهد الجنوبي الأول _ متابعات

في عالم الدبلوماسية، التوقيت ليس كل شيء فحسب، بل هو كل شيء. عندما أعلنت حماس عن تأجيل الإفراج عن الأسرى “الإسرائيليين” حتى إشعار آخر، لم يكن ذلك مجرد خطوة تفاوضية عادية، بل كان ضربة محسوبة تهدف إلى إعادة صياغة ميزان القوى في اتفاق وقف إطلاق النار. وبينما تتقاذف الأطراف الاتهامات، تزداد المؤشرات على أن هذه الصفقة قد تتحول إلى منعطف حاسم ليس فقط لمستقبل قطاع غزة، بل للشرق الأوسط بأكمله.

حماس تلعب الورقة الأخيرة أم تفرض قواعد جديدة؟

منذ بداية الصفقة، كانت هناك إشارات واضحة إلى أن الطرفين يتعاملان معها بطرق متباينة. “إسرائيل” أرادت منها أن تكون مجرد استراحة استراتيجية، وحماس أرادتها لحظة لإعادة ترتيب الأوراق. تصريحات الناطق باسم القسام، أبو عبيدة، لم تكن مجرد تحذير، بل كانت رسالة واضحة: “إذا لم تلتزم إسرائيل، فلن يكون هناك إفراج”.

لكن السؤال هنا: هل لدى حماس القدرة الفعلية على فرض شروطها؟ في الواقع، يبدو أن الحركة تدرك جيدًا أن التعنت “الإسرائيلي” في تنفيذ بعض بنود الاتفاق – مثل تأخير عودة النازحين ومنع دخول الإغاثة – لم يكن عارضًا، بل جزءًا من استراتيجية الضغط على المقاومة لإضعاف موقفها التفاوضي في المرحلة الثانية. حماس قرأت ذلك بوضوح، وردت بخطوة استباقية تهدف إلى إجبار إسرائيل على إعادة حساباتها.

لماذا أوقفت حماس تنفيذ الاتفاق؟

هناك أربعة أسباب رئيسية دفعت حماس إلى تعليق تنفيذ الصفقة في هذه المرحلة:

1 غياب الضمانات الأميركية

الوسطاء المصريون أكدوا أن الخطة الأميركية لضمان وقف إطلاق النار لم تعد قائمة، خاصة بعد تصاعد الحديث عن “خطة ترامب” لتهجير سكان غزة. من وجهة نظر حماس، هذا يعني أن “إسرائيل” لم تكن تتفاوض بنيّة صادقة، بل كانت تنتظر اللحظة المناسبة لإعادة خلط الأوراق.

2 المراوغة الإسرائيلية في تنفيذ بنود الاتفاق

حماس رأت أن “إسرائيل” لا تطبق الاتفاق إلا بالحدود التي تناسبها، بينما تفرض مزيدًا من الضغوط على الفلسطينيين، سواء من خلال منع دخول المساعدات، أو استهداف المدنيين العائدين إلى الشمال، أو عدم تقديم أي ضمانات فعلية لاستمرار الهدنة.

3 المطالب الإسرائيلية التعجيزية للمرحلة الثانية

نتنياهو يستعد لتقديم شروط جديدة تتجاوز مجرد الإفراج عن الأسرى. بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”، تشمل “نفي قيادة حماس من غزة، وتفكيك جناحها العسكري بالكامل”- شروط يعلم الجميع أنها غير قابلة للتنفيذ. هذا يُظهر أن إسرائيل لا تريد الدخول في مرحلة ثانية حقيقية، بل تحاول تفجير الاتفاق من الداخل.

4 حماس تختبر مدى قدرتها على ردع إسرائيل

إعلان التأجيل ليس مجرد رد فعل، بل هو جزء من اختبار قوة. تريد حماس أن ترى كيف سترد “إسرائيل”: هل ستلجأ إلى مزيد من الضغوط؟ أم أنها ستبحث عن مخرج دبلوماسي؟ إذا اضطرت “إسرائيل” إلى تقديم تنازلات جديدة، فهذا يعني أن حماس نجحت في فرض قواعد جديدة في التفاوض.

نتنياهو بين مطرقة ترامب وسندان حكومته المتطرفة

المعادلة تصبح أكثر تعقيدًا عندما ندخل العامل الأمريكي في الصورة. تصريحات ترامب كانت بمثابة صب الزيت على النار، حيث أعطى نتنياهو ضوءًا أخضر غير مباشر للتصعيد. عندما قال: “إذا لم يتم الإفراج عن جميع الرهائن بحلول ظهر السبت، فإن وقف إطلاق النار يجب أن ينتهي”، كان يتحدث بلغة تهديد هل كانت فقط موجهة لحماس، أم أيضًا لنتنياهو؟

نتنياهو عالق في معادلة صعبة. من جهة، هناك ضغوط عائلات الأسرى التي تغلق شوارع تل أبيب مطالبة باستكمال الصفقة، ومن جهة أخرى، هناك وزراء متطرفون مثل بن غفير وسموتريتش، الذين يرون أن أي تنازل لحماس هو هزيمة استراتيجية. عندما يقول بن غفير: “علينا العودة للتدمير”، فإنه لا يتحدث عن رأي شخصي، بل عن تيار داخل الحكومة يرى أن الحل الوحيد هو الحسم العسكري.

لكن الحقيقة أن نتنياهو ليس في موقع يسمح له بمواصلة سياسة الهروب للأمام. كل التقارير تشير إلى أن الوساطة القطرية والمصرية بدأت تضيق ذرعًا بتكتيكاته، وهناك غضب متزايد من التأجيل “الإسرائيلي” لمفاوضات المرحلة الثانية من الصفقة. حتى داخل المؤسسة الأمنية، هناك أصوات تحذر من أن انهيار الاتفاق الآن قد يؤدي إلى جولة جديدة من التصعيد الذي قد يكون مكلفًا جدًا.

نتنياهو يعرف أن انهيار الاتفاق الآن قد يعني فوضى سياسية داخلية، خاصة مع تزايد الانقسامات داخل حكومته. لذلك، من المتوقع أن يبحث عن حلول وسط، دون أن يبدو وكأنه تراجع بالكامل.

دور الوسطاء: قطر ومصر أمام اختبار الصبر والضغط

المعضلة الآن لم تعد محصورة بين حماس و”اسرائيل”، بل باتت اختبارًا حقيقيًا لقدرة الوسطاء، خاصة قطر ومصر، على ضبط إيقاع التفاوض. التقارير “الإسرائيلية” تتحدث عن إحباط في الدوحة والقاهرة بسبب مماطلة “إسرائيل” في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، وهو ما ترى فيه حماس ذريعة…

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com