انهيار الريال اليمني وغلاء الأسعار بين الضياع والخوف من المستقبل
محمد العنبري
إن الحديث عن انهيار صرف الريال اليمني وغلاء الأسعار المتسارع يعيدنا إلى واقع مرير تعيشه البلاد ففي ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أصبح المواطن اليمني مهدداً في لقمة عيشه اليومية ولم يعد الخوف يقتصر على ما هو قائم بل امتد ليشمل الضياع والخوف من مستقبل أكثر سوداوية هذا الوضع لا يعبر فقط عن أزمة مالية أو اقتصادية عابرة بل هو مرآة تعكس حالة شاملة من الفوضى والتردي في مختلف مجالات الحياة.
انهيار صرف الريال أمام العملات الأجنبية ليس مجرد مشكلة في أرقام الصرف وأسعار الصرف في السوق السوداء بل هو مؤشر على فقدان السيطرة على زمام الأمور الاقتصادية في البلاد ومع كل انخفاض جديد في قيمة الريال تتفاقم أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل جنوني لتصبح حياة المواطن أشبه بكابوس لا ينتهي.
الارتفاع المتواصل في أسعار السلع والخدمات نتيجة لتدهور العملة جعل من الطبقة المتوسطة التي كانت تشكل عصب الاقتصاد تنزلق تدريجياً نحو الفقر المدقع والنتيجة المباشرة لهذا الانهيار هي زيادة معاناة الفقراء والعاملين بالأجر اليومي الذين باتوا عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية من طعام ودواء الغلاء أضحى طاعوناً يجتاح حياة الجميع من دون تمييز بين غني وفقير بل أنه زاد الأثرياء ثراءً عبر التحكم في موارد البلاد واستغلال الأزمات.
وفي ظل هذا الواقع نشعر بأن الضياع يتسع كل يوم وليس ثمة ضوء في نهاية النفق الحكومة تبدو غير قادرة على إدارة الأزمة فلا توجد حلول جادة لمعالجة هذا الانهيار المتسارع التضخم المالي الكارثي أصبح يتغذى على سياسة الإهمال والعشوائية التي تدار بها البلاد فالقرارات الاقتصادية تأتي في كثير من الأحيان متأخرة أو غير مدروسة لتزيد الطين بلة وتدفع بالاقتصاد نحو مزيد من الانهيار.
الخوف الذي يعيشه المواطن اليمني لم يعد خوفاً من غدٍ غير معلوم بل أصبح خوفاً يومياً من الجوع والمرض والعجز عن توفير أساسيات الحياة الناس باتوا محاصرين بين مطرقة انهيار الريال وسندان ارتفاع الأسعار وبين هذه المطرقة والسندان تُسحق أحلام البسطاء وطموحاتهم.
الضياع لا يتوقف عند الوضع الاقتصادي وحسب بل يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك فالاقتصاد هو العمود الفقري لأي بلد وإذا انهار هذا العمود انهارت معه كل دعائم الاستقرار الاجتماعي والسياسي إن الخوف الذي يسيطر على الناس الآن ليس مجرد خوف من الغلاء بل هو خوف من فقدان الوطن بكل ما فيه مخاوف الناس تعكس شعوراً بأنهم يعيشون في وطن يترنح تحت وطأة الأزمات وكأنهم باتوا أسرى لواقع لا مفر منه.
في هذه اللحظة الحرجة بات الحل يبدو بعيد المنال لكن الأمل الوحيد الذي يمكن أن ينقذ ما تبقى من البلاد هو استعادة الإرادة الجماعية لإعادة بناء الاقتصاد الوطني لكن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تضافرت الجهود بين جميع الأطراف السياسية والاقتصادية ووُضعت حلول جذرية لمعالجة الانهيار المالي يجب على مجلس القيادة أن يدرك أن استقرار العملة هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة المتفاقمة الحفاظ على قيمة الريال هو المهمة العاجلة والملحة التي لا تقبل التأجيل لأنها ليست مجرد قضية اقتصادية بل قضية وطنية شاملة.
الإجراءات التي يجب اتخاذها يجب أن تكون أكثر جرأة وعمقاً لا يكفي أن يتم ضخ بعض الأموال في السوق أو إيقاف مؤقت لانخفاض العملة بل المطلوب هو استراتيجية شاملة تعيد تنظيم الموارد المالية للبلاد وتوحيد الجهود الاقتصادية والسياسية إن الخطر الأكبر الذي يواجه اليمن ليس فقط في انهيار العملة بل في الانقسام الذي يهدد بتفكك البلاد من الداخل.
وفي هذا السياق فإن الحفاظ على قيمة العملة وثباتها لن يكون ممكناً إلا إذا تم تحقيق نوع من الاستقرار السياسي والأمني إن توحيد الصفوف والجهود بين الأطراف المختلفة سواء في الحكومة أو بين القوى المؤثرة في المشهد السياسي هو السبيل الوحيد للخروج من هذا الضياع فعندما تتضافر الجهود وتتحد الرؤية يمكن تحقيق خطوات ملموسة نحو استقرار العملة والحد من ارتفاع الأسعار.
لكن الخوف من المزيد من الضياع يظل حاضراً فالأزمة الحالية ليست فقط نتيجة لعوامل داخلية بل تتداخل فيها قوى إقليمية ودولية تجعل الحل أكثر تعقيداً ومن هنا فإن التغلب على هذه الأزمة يتطلب أيضاً دبلوماسية حكيمة وقدرة على إدارة التحديات الخارجية التي تواجه اليمن.
الخلاصة هي أن انهيار صرف الريال وغلاء الأسعار هو نتيجة مباشرة لفشل إدارة الأزمات الاقتصادية والسياسية وهو يعكس حالة عامة من الضياع والخوف من المزيد من الضياع وما لم يتم تدارك الأمر سريعاً عبر حلول جادة وفعالة فإن المستقبل يبدو مظلماً والمزيد من الأزمات قد تكون في الطريق.