إلى أين يا فاسد؟ مواجهة الفساد تتطلب الشجاعة والإرادة
عبد القادر باسويد
في ظل الأزمات التي يعاني منها المجتمع، يبقى سؤالٌ مؤرق يتكرر في أذهان الناس: إلى أين يا فاسد؟ إن الفساد، ذلك الغول الذي يتجلى في ممارسات الأمم غير الأخلاقية والجرائم المالية، يكبر ويزيد قوته حين تواجهه ضربات ضعيفة. إنه كائن يتغذى على الحرمان والفشل، ويستشري في ظل غياب المساءلة والشفافية.
يعتبر الفساد تجسيدًا للاخفاق في الالتزام بالمعايير الأخلاقية والشرعية، فهو لا يعني مجرد استغلال لمنصب أو موارد، بل هو أداة تُستخدم لتقويض الحقوق وحرمان المجتمع من العدل والتنمية. الفساد كالغول، يتقوى بالضربات الضعيفة، وكلما زادت حالات الفشل والعجز، كلما بالغ الفاسدون في وقاحتهم، وتمادوا في تبعيتهم وانبطاحهم لمصالحهم الشخصية.
تتضح هذه الظاهرة في الحكومات والأنظمة التي تفشل في الرقابة وتنظيم الأمور. حينما نرى أفرادًا يديرون موارد عامة بطريقة غير شرعية، يتنمو الفساد وتتزايد جرائمه، فيصبح الفاسدون كأنهم في منأى عن العقاب. يُظهر لنا الفاسدون كيف أن سلاسل الفساد يمكن أن تمتد لتلبس أوجهًا مختلفة، وخاصة حينما يجدون من يتبعهم أو حتى يتعاون معهم.
إن الفساد لا يستطيع الاستمرار دون تواطؤ أو تقاعس من المجتمع. لذا، ينبغي علينا أن نتخذ مواقف شجاعة، وأن نكون عونًا لقضايانا. يجب أن تعبر أصواتنا عن مظالمنا، وألا نسكت عن أي حالة فساد نراها، بل ينبغي أن نواجهها بكل الوسائل الممكنة. كلما زاد الوعي والتفاعل الإيجابي من قبل الأفراد، زادت المخاطر التي يواجهها الفاسدون.
هذه المواجهة تتطلب الشجاعة والعزيمة، وعدم الانصياع لمغريات الفساد. نحن بحاجة إلى مجتمعات قوية تقوم على قيم الشفافية والعدالة، تحارب الفساد بكل أشكاله، وتوثق المناصرة للأشخاص الشرفاء الذين يقفون في وجه هذا الحمل الثقيل.
ولنتذكر دائمًا أن السلاح الفعال ضد الفساد هو الدعاء. لذا، لنرفع أيدينا ونتوجه إلى الله، داعين:
“اللهم إنا نسألك أن تُعقد لسان الفاسدين، وأن تُزلزل عروشهم، وأن تُعيد العدل إلى بلادنا، اللهم اجعل من يظلم عبادك عبرة لمن يعتبر، وأنت أعلم بما يخفون وما يُظهرون.”
إلى أين يا فاسد؟ قدام ستقلاتك وكن شجاعًا. لنتجاوز الخوف والقلق، ولنعمل بإرادة قوية وثابتة على محاربة هذا الشر الذي ينخر في مجتمعاتنا. إن العمل الجماعي والوعي هو مفتاحنا للتغير الحقيقي، ولنجعل من هذه المعركة حربًا من أجل العدالة والمستقبل الأفضل.