كنت انتقاليا
ياسر محمد الأعسم
– ولدت من أبوين يمنيين جنوبيين، في عهد رئيس الكادحين (سالمين)، ومثل أبناء جيلي ، جرفتنا تياراتهم، وصراعاتهم ، ومؤامراتهم ، حتى أمسينا قضية بلا وطن .
– ذهبوا إلى الوحدة، فكنت يمنيا جنوبيا وحدويا، وبعد بطشهم، وكابوس نظامهم ، عدت مواطنا جنوبيا حراكيا، ومتهما كشرذمة انفصالية.
– كما كنت جنوبيا مقاوما .. من الذين صمدوا في عدن، عندما غزتها جحافلهم، ومن الذين كبروا لنصرها، وسجدوا حمدا وشكرا لليلة تحريرها.
– وكنت جنوبيا فخورا .. حضرت يوم استقبلوا المقاوم الشجاع (عيدروس الزبيدي) في عدن، واختاروه قائدا لقيادة المقاومة الجنوبية.
– وكنت جنوبيا مفجوعا .. شهدت اغتيال المحافظ النبيل (جعفر) – رحمة الله تغشاه – وربما خفف من أحزاني، ترشيح القائد (عيدروس) مكانه ، وغضبت حين عزلوه.
– وكنت جنوبيا انتقاليا .. من لحظة صعود القائد (عيدروس) منصة ساحة العروض، ملوحا لنا بيده ، ومن أول المفوضين، وباركت ميلاد المجلس بهتافاتي، وقلمي.
– كنت انتقاليا مخلصا .. مؤمنا بالتحرير والاستقلال، ولم يهمني حينها، أن كان مشروعهم بلا رؤية، طالما الهدف، والمصير واحد.
– كنت انتقاليا مثاليا .. بشريحة جنونية واحدة، ولم يهز ثقتي وجود متحزبين، واسماء أبو شريحتين ، وأن المخبرين في مقدمة صفوف المجلس، فالنبش لا يخدم القضية ، وكان من الضرورة طي الصفحة.
– كنت انتقاليا متحمسا .. لم يزعجني تهميش واقصاء الشرفاء، والمناضلين ، والحراكيين الحقيقيين ، معتقدا أن المشاريع الوطنية العظيمة لا تقف عند الأشخاص ، وكلنا سياتي دورنا.
– كنت انتقاليا من صميم وجداني .. معجبا بتكتيكاتهم، ولم يكن يراودني شك أن القاء بالسفير خطوة تاريخية، والاجتماع بمبعوث سيفتح الأبواب للقضية ، والجلوس على طاولة التفاوض انتصار ، ولم توسوس نفسي ، أنهم ربما يركبون المناصب ، ويزبطون الشعب، والقضية.
– كنت انتقاليا بريئا .. مطمئنا أن تضحية الآف الشهداء لن تذهب هباء، وأن الجرحى لن يتعفنوا على فراشهم، وأن قائدنا سيكون أخا للأرامل، وأبا للأيتام.
– كنت انتقاليا بثوابت .. على يقين أن الجنوب بأيادي أمينة، وأننا قاب قوسين من استعادة دولتنا، وأن الشعب تنتظره حياة كريمة.
– كنت انتقاليا متفائلا .. قناعتي أن المجلس سيعيد الاعتبار لأبناء عدن، كوادرها، ولن تخونهم عدالتهم.
– كنت انتقاليا زاهدا متعبدا .. أراهم يزوروني في المنام ، وإذا هجاني أحدهم بتآلهة الأصنام ، أرد بنشوة، وثقة : ” نحن لا نعبد البشر، ولكن نعرف قيمة الرجال ” .
– كنت انتقاليا طبلا .. مطبلا أصيلا، وكان ظني أنهم يملكون أجنحة الحرية ، ولكن أرهقني زحفهم، وتخبطهم.
– بعد سنة تقريبا من تأسيس الانتقالي، حملت رسميا بطاقته، وبعد سنة تقريبا من العضوية، انسحبت.
– وجدت نفسي على هوامشهم ، وفي زوية رمادية، وأكتشفت أن مشروعهم صغير ، وأنهم اكتفوا بالحاشية.
– طالما كان التحزب قيدا نكرهه، ولكني حسبته كيانا شعبيا يمثلني ، أكثر من كونه نهجا سياسيا، يشرع اللعب بالبيضة، والحجر .
– كانت تجربة حية، وقد هذبتني، وبراءتني من عدم المبادرة ، ولا اسجل ندمي ، بقدر شعوري بالخيبة تصفعني في كل مرة.
– لن نخرق السفينة، ولكن لأبد من عقد اجتماعي جديد في الجنوب .