غزة العزة والمنعة والقوة والنصر !
حسين الكنزلي
أطلق عليها -كما نسمع- اسم “غزة هاشم” في العصر الإسلامي؛ إشارة إلى “هاشم بن عبد مناف” الذي توفي فيها، وهو جد رسول الله! -صلى الله عليه وسلم-.
وهي التي ولد فيها “الإمام الشافعي” مؤسس المذهب الإسلامي الشهير، وثاني مذاهب الإسلام انتشارا في العالم بعد المذهب الحنفي.
يقول يوسابيوس القيصري الذي أطلق عليه “أبو التاريخ الكنسي”، وقد عاش في القرن الـ٤م: إن “غزة” تعني العِزة والمَنَعة والقوة.
وثمة من قال أن “غازا” كلمة فارسية تعني الكنز الملكي، وهو معنى لا يبتعد كثيراً عمن يقول إن “غزة” كلمة يونانية تعني الثروة أو الخزينة.
وذكر ياقوت الحموي أن “غزة” كان اسم زوجة “صور” الذي بنى مدينة صور الفينيقية، التي تقع في لبنان حالياً.
وثمة من قال أن “المعينيين” الذين يقال أنهم أقدم شعب عربي حمل لواء الحضارة في الألفية الأولى قبل الميلاد، هم أقدم من ارتاد مدينة “غزة”، وأسسوها كمركز يحملون إليه بضائعهم.
تنبع أهمية “غزة” لدى العرب من كونها تربط بين مصر والهند، فكانت الطريق التجاري الأفضل لهم مقارنة بالملاحة في البحر الأحمر، ومن هنا تأسست مدينة غزة واكتسبت شهرتها التاريخية.
وكانت التجارة تبدأ من جنوب بلاد العرب في اليمن، التي يجتمع فيها تجارة البلاد وتجارة الهند، ثم تسير شمالاً إلى مكة ويثرب “المدينة المنورة حالياً” والبتراء، قبل أن تتفرع إلى فرعين؛ أحدهما في غزة على البحر المتوسط، وثانيهما في طريق الصحراء إلى تيماء ودمشق وتدمر.
ومن هنا استنتج مؤرخون أن مملكة معين وسبأ أولى الممالك العربية التي أسست مدينة غزة. كما كان “العويون” و “العناقيون” الذين يقال إنهم الفلسطينيون القدماء، وجاء ذكرهم في أسفار العهد القديم، هم أول من استوطن غزة.
والكنعانيون هم “أول من عرف زراعة الزيتون على هذه الأرض، وصناعة النسيج والفخار والتعدين، واخترعوا الحروف الهجائية، وسنوا الشرائع والقوانين، فأخذ عنهم بنو إسرائيل الكثير من سننهم وشرائعهم وأفكارهم ومبادئهم حتى حضارتهم”.
وقد وقعت غزة عبر تاريخها القديم تحت سيطرة قدماء المصريين والبابليين والآشوريين واليونان والفرس والرومان.
وقد وصف تاريخ غزة بـ”المجيد”؛ لأنها “صمدت لنوائب الزمان بجميع أنواعها، وطوارئ الحدثان بجميع ألوانها، حتى أنه لم يبق فاتح من الفاتحين أو غاز من الغزاة المتقدمين والمتأخرين الذين كانت لهم صلة بالشرق، إلا ونازلته، فإما أن يكون قد صرعها، أو تكون هي قد صرعته”.
وأول معركةٍ حدثت بين جيش الصَّحابة -رضي الله عنهم- والروم في أرض الشَّام؛ إنما كانت في قريةٍ من قرى غزة يُقال لها “داثن”، في ٣ محرم ١٣هـ. كانت بينهم وبين بِطْريق غزَّة، فاقتتلوا قتالًا شديدًا ثُمَّ إنَّ الله تعالى أظهر أولياءه وهزم أعداءه وفضَّ جمعهم، وذلك قبل قدوم خالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلى الشَّام.
وها هي اليوم في العهد الٱسلامي هي الوحيدة من بين الأراضي العربية والإسلامية التي تقاوم وتمانع قوى الاستكبار العالمي، وبالنظر إلى الفارق بين القوتين والإمكانيات والأنصار والحصار.. فإن غزة حتى لو محيت من على الوجود؛ تعد قد لقنت هذه القوى أكبر هزيمة في التاريخ ومرغت أنوفها وفضحتها وفضحت خططها ودعاويها وقيمها الزائفة وأخلاقها الجائفة!
واسقطت مقولة الجيش الذي لا يقهر وأسقطت حضارة الغرب الذي يدعي الإنسانية ومخطط التطبيع، وخطة ما يسمى بصفقة القرن، وقطعت حبال الناس التي تمد اليهود وتقويهم وتبقيهم؛ وقد قال تعالى:
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ..} [آل عمران]. وأعادت قضية فلسطين إلى مكانتها المحورية في الأمة، وحققت الوحدة الشعورية بين الأمة جمعاء. وتسببت في دخول خلق كثير ومن المشاهير والشخصيات العامة في الإسلام؛ ما كانوا ليعرفوا عن الإسلام شيئا؛ لولا حكمه الله، وهذا هو أكبر نصر وأعظم فتح حتى الآن!
وسيدخل الناس في دين الله أفواجا، فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر!