من نجران إلى فلسطين.. قصص مؤثرة عن الاضطهاد والصمود
محمد علي رشيد النعماني
شمعون الأرشامي ذلك الأسقف السرياني البارز الذي كان شاهداً على مأساة تاريخية تحكي قصة الاضطهاد والإبادة الذي تعرض له العرب المسيحيون في نجران خلال القرن السادس الميلادي. كتب الأرشامي رسائله الشهيرة التي عرفت ب { رسائل الشهداء الحميريين } وهي مجموعة من الوثائق التي تروي تفاصيل هذه الفترة المظلمة في تاريخ شبه الجزيرة العربية .
تعد رسائل الشهداء الحميريين أحد أهم المصادر التاريخية التي تسلط الضوء على العلاقات الدينية والتوترات المشتعلة بين الأديان السماوية في جنوب الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام .
في كتابه يصف الأرشامي بشكل مروع المشاهد الوحشية للتعذيب والقتل والحرق التي تعرض لها المسيحيون على يد الملك اليهودي ذو نواس والقبائل العربية المتحالفة مع اليهود .
ينقل الأرشامي شهادات الناجين والشهود عن الأحداث المروعة التي شهدوها في نجران ومناطق أخرى كما يسلط الضوء على دور المنذر بن امرئ القيس ملك الحيرة الذي حاول إنقاذ المسيحيين من بطش ذو نواس ويشير أيضاً إلى دعم الإمبراطور البيزنطي ( جاستين الأول ) للملك الأكسومي كالب في حربه ضد حمير .
عندما ننظر إلى هذه الوثائق التاريخية وروايات الأرشامي في رسائل الشهداء الحميريين نجد شبهاً مروعاً بين الاضطهاد والإبادة الذي تعرض له العرب المسيحيون الحميريون في القرن السادس الميلادي والمعاناة التي يعانيها اليوم العرب الفلسطينيون جراء الاضطهاد والابادة التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي .
أولاً – يمكننا أن نرى الشبه في الخلفية الدينية للقضية في كلا الحالتين ففي عصر الحميريين كانت النزاعات الدينية والتوترات بين الأديان السماوية جزءًا لا يتجزأ من السياق العام للإضطهاد . المسيحيون الحميريون كانوا يعيشون في بيئة ذات غالبية يهودية وكانوا يواجهون التمييز وعدم المساواة بسبب اعتقاداتهم الدينية المختلفة.
وبالمثل يواجه الفلسطينيون اليوم الاضطهاد وحرب إبادة بسبب التوتر الديني والعرقي حيث يعاني الفلسطينيون من التمييز والقيود على حرية الممارسة الدينية وتدمير المقدسات ويتعرضون للعنف والقتل في سياق الصراع السياسي والديني .
ثانياً – يمكننا أن نرى التشابه في استخدام العنف والقتل والتعذيب كوسيلة للقمع والترويع .
في حقبة الحميريين كان الملك ذو نواس والقبائل المتحالفة معه يستخدمون العنف والقتل والتعذيب بشكل وحشي لقمع المسيحيين وترويعهم وفي الوقت الحاضر تستخدم قوات الاحتلال الإسرائيلي العنف والتعذيب والإبادة ضد الفلسطينيين لقمع حركات المقاومة وكسر إرادتهم .
ثالثاً – يمكن أن نرى الشبه في الاستغاثة والاستعانة بالمجتمع الدولي في مثل هذه الأحداث .
ففي رسائل الشهداء الحميريين يشير شمعون الأرشامي إلى دور الإمبراطور البيزنطي جاستين الأول في دعم الملك الأكسومي كالب في حربه ضد الملك ذو نواس الحميري بالمثل يسعى الفلسطينيون اليوم إلى الحصول على الدعم الدولي لقضيتهم والتضامن العالمي من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق حقوقهم الوطنية .
على الرغم من التشابهات التاريخية والمأساوية بين الحميريين والفلسطينيين يجب أن نلاحظ أن السياقات والتفاصيل تختلف بين الحالتين كل حالة لها سياقها الفريد والتحديات الخاصة بها . ومع ذلك يمكننا استخلاص دروساً مشتركة حول حقد اليهود على العرب منذ عصر ما قبل الإسلام وحتى اليوم ..