استوقفني أحد جنود نقطة عسكرية للمقاومة الجنوبية بعدن وطالبني فجأة من بين جميع الركاب، ودون سابق انذار، بإبراز هويتي الشخصية..
سألته مستغربا ولماذا وقد انتهت حملة البحث عن ‘ البتاقة’.
فرد مصرا:
حتى أعرف من انت وأتأكد من أي منطقة أتيت ..
اعتذرت له بطريقة مؤدبة وقلت له:عفوا..ليس لدي هوية ولابطاقة تعريف شخصية
رد علي ..ولماذا لاتوجد لديك بطاقة؟
أجبته بمرارة المتشرد بحثا عن وطن:
لأني مواطن جنوبي بلاهوية ولا حتى مسمى وطن بين شعوب الأمم..
اشتاط الجندي غضبا من حديثي وقال غاضبا:
من أين أنت؟
قلت له من اليمن
ازداد حماية وتعصبا بشكل أكثر وشعر وكأنني اتحداه..
فصرخ بوجهي:
خلاص أنزل أوريك فين هويتك وفين اليمن.
نزلت من الحافلة وفقا لحميته الجاهلية واقتربت منه بخطوات متثاقلة وانا ابتسم إليه ثم قلت له:
ألم تقولوا لنا منذ اكثر من 20 عاما أن المخلوع علي عفاش أسقط الهوية الجنوبية وابتلعها مع كل مقومات دولة الجنوب بعد ان احتلها عسكريا بحرب صيف عام 1994الظالمة والتي قلتم لنا أيضا أن عفاش وجنوده قضوا من خلال تلك الحرب العدوانية الهمجية على كل الاثار والمعالم والتراث والمقدرات الجنوبية وتعمد من بعدها تجريد الجنوبيين من هويتهم وسلبهم حقوق المواطنة وزور تاريخهم وبادر للقضاء على كل ماله علاقة بدولة جنوبنا الحبيب.
ابتسم الجندي مستغربا من حديثي وهز برأسه ..مشيرا إلى موافقة مضطربة على ماقلت له..وهنا استغليت برهة هدوء حميته الوطنية العمياء
وقلت له:إذن من أين لي هوية او بطاقة شخصية كي ابرزها امامك وانت تعرف اني وانت وكل جنوبي ينشد دولته المستقلة بلاهوية ولا وطن ولا مواطنة طالما وعفاش قد سبق وأن زور ودمر وألغى وأنهى وغير وبدل في كل شيء كان في الجنوب؟.
صمت الجندي قليلاً وهو شارد الذهن يغوص خلف ماقلته له.ثم عاد فجأة لاستجدائي مرة اخرى لإثبات هويتي من خلال ابراز أي بطاقة تعريفية كي يتمكن من اخلاء سبيلي.
جددت اعتذاري له.. وقلت له: للأسف :انا جنوبي لا اعترف بأي بطاقة هوية مزورة منحها نظام محتل عسكري قبلي متخلف استولى على بلدي بالقوة ودمر وزور وعبث وقضى على كل معالم وآثار دولتي.
هدد الجندي باتخاذ إجراءاته العسكرية بحقي واحالتي إلى أقرب مخفر أمني للمقاومة.
واصلت اعتذاري له عدم امتلاكي بطاقة هوية
لكنه هدد وتوعد وأزبد وارعد.. جددت له ابتسامة منهكة بحر وعرق الحر المتصبب على جبيني وقلت له تفضل .خذ راحتك واجراءاتك.. فهذه ليست المرة الأولى التي يزفني فيها الجنود الاشاوس الى المعتقل وانما سبق لنظام عفاش وان زج بي والكثير من الصحفيين الجنوبيين غيري في غياهب سجونه ومخافره الأمنية بتهم التظاهر والتصوير و ممارسة جريمة الكتابة الصحفية وإبداء الرأي وتسطير مواجع شعب ينتحب ألما وقهرا وظلما وغطرسة وتجبر منه ونظامه القمعي بالجنوب..
احتار الجندي في أمره وبدأ يستفسرني عن منطقة انتمائي الجغرافي .فقلت له مرة اخرى:مواطن من اليمن..
جن جنونه وشعر وكأني وجهت له ثاني إهانة بالغة بنكهة التحدي.
ابتسمت له مجددا محاولا تخفيف غضبه وقلت له:
أليست البطاقة التي تبحث عنها مكتوب على أعلاها الجمهورية اليمنية؟
ازداد غضبه وحميته وتقلبات تضاريس الغيض على ملامح جبينه فقال غاضبا بصوت مشتت :
والله لاوديك بيت خالك ..شكلك كثير فلسفة.
رفعت له رأسي ..مصححا استنتاجه العبقري المتأخر وقلت له :هي على بركة الله.
وفعلا استوقف فجأة طقما عسكرياً كان مارا بالنقطة العسكرية ولمن من سوء حضه أن سائق الطقم كان أحد العسكر المنتمين للضالع تمكن من معرفتي دون أن أعرفه أو حتى اشتبه بصورته..وحينها نزل من على مقود القيادة مقدما اعتذارا مؤدبا لي بعد ان سألني مباشرة: انت الصحفي ماجد الداعري ..
قلت له نعم بشحمه ولحمه وتقاسيم عقله ودماغه ..معتذرا لي باسمه وزملائه وطالبا العفو وعارضا علي فكرة إيصالي بالطقم إلى حيث كنت متجه على متن حافلة الباص..
حينها أخرجت بطاقتي الشخصية وعرضتها على الجندي المستجد المتصبب عرقا وخجلا وارتباكا وقلت له :الا تقرأ ان هذه البطاقة خاصة بالمواطنين اليمنيين ولاعلاقة او صلة لجنوب يمني او عربي أو افريقي فيها..
وعندها ابتسم مرتبكا واحتضنته معبرا له عن آسفي بالمقابل وطالبا منه وزملائه عدم المغالاة والتشدد والمزايدة باسم الجنوب الذي لا توجد له حتى اليوم أي تمثيل ولا حتى صفة مسمى رسمي أو شبه تلميح بامكانية قرب تبلور اعتراف دولي أو إقليمي به كمطلب حق مشروع من شعب ينشده باجماع وطني غير مسبوق على مستوى كل شعوب العالم ويردده يوميا كنشيد مقدس من المهرة إلى باب المندب .
وبالأخير .تسامحنا جميعا ..وسامحت جندي المقاومة الهمام مقابل شرط اعترافه بحقيقة الهوية اليمنية التي يبحث عنها وتناقضها الفج مع كل حملات المزايدات الوطنية التي تستهدف منطقة ميلاد الشخص وانحداره الجغرافي وليس الخطورة الأمنية التي يمكن أن يتسبب بها..