مشكلة الأراضي وأبعادها السياسية والاقتصادية والديمغرافية
أعدها د. فضل الربيعي
سطو ونهب منظم طال عدد كبير من عقارات واراضي الدولة والاملاك الخاصة
ظهور هذه المشكلة كانت ناتجة عن فشل النظام السياسي والاقتصادي وعجز السياسات من أن توفر وحدة مجتمعية
منذ نشأة الحياة على الأرض كان الإنسان ومازال دائم الحلم بحياة كريمة على هذه الأرض يحقق فيها كل ما يحلم به من خير وحق وجمال وعدالة تجتمع في المكان، ليجعل من هذا المكان موطن اقامته الأصلي هذه الإقامة التي تتجسد بعلاقته الوجدانية بالأرض التي يعيش ويمارس عليها أنشطته وفيها تتجذر هويته وتستقر حياته ، ويحس بامتلاكه للأرض وقد ظهرت فكرة التملك للأرض بطرق عدة كالاحتكار والسطو والشراء ، وقد حدثت كثير من الحروب بسبب النزاع على الأرض اكان على المستوى الدولي أو المحلي ، ولازالت مصدر للخلافات إلى يومنا هذا. إذ شكلت الأراضي مصدراً أساسياً للثروة والوجاهة الاجتماعية، والسلطة وأرتبط الإنسان بالأرض ارتباطأ وثيقاً، فهي عنواناً له وهي الأساس التي يقام عليها المأوى والمأكل ويمارس عليها كل مناشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، إذ تُعد أهم مصدر للحصول على فرص العمل ومورداً مهماً لبقائه وتطوره ، وقد أرتبط موضوع الحصول على الاستحقاقات الاجتماعية والخدمات والموارد في أغلب الأحيان بالحق في الحصول على الأراضي .
كما أن التوجه والقدرة على القيام باستثمارات طويلة الآجل في الأراضي الصالحة للزراعة أوفي مشروعات الاسكان والصناعة قد أرتبط ارتباطاً مباشراً بما يوفره المجتمع لأصحاب هذه الحقوق وحمايتها من الناهبين والفاسدين، وشرّعت الانظمة الاجتماعية القوانيين التي تحمي الحقوق والمصالح العامة والخاصة .
وهكذا نجد أن أي مفهوم للتنمية المستدامة والاستقرار يعتمد اعتماداً كبيراً على الحصول على حقوق ملكية الأرض التي تقام عليها مشاريع التنمية وعلى ضمان تلك الحقوق ، بواسطة القوانين التي تحدد التعامل مع الأرض وكيفية صرفها وتملكها واستخدامها لمصلحة الإنسان وآمنه واستقراره ، فعلى الأرض تشيد المساكن وتقام الاستثمارات وتبنى الحضارات .
وعليه فإن مسألة الحصول على الأرض أرتبط بجملة من المعايير الأخلاقية والقانونية والاجتماعية التي تحافظ على الاستقرار والسلم الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية بوصفها تحتل أهمية بالغة من النواحي الثقافية والدينية والاجتماعية والقانونية. فهناك علاقة وثيقة- في كثير من المجتمعات – بين سلطة اتخاذ القرار التي يتمتع بها الشخص، وبين حقه في الأرض “كماً وكيفاً”، فالقبول أو الرفض الاجتماعي يعتمد في أغلب الأحيان على ما يمتلكه الفرد من الأرض في موطنه الأصلي . وهكذا يتضح أن الحصول على الأراضي يمثل جانباً هاماً من سلطة اتخاذ القرار في الأسرة والمجتمع المحلى والوطن بأكمله.
ولذا أقدمت المجتمعات على تنظيم حيازة الأراضي وحددت كيفية الحصول عليها ومعايير توزيعها واستخدامها وحماية ملكيتها داخل هذه ألمجتمعات وما يرتبط بها من مسؤوليات وضوابط توضح استخدام مواردها والفترة المحددة لذلك، والرسوم المفروضة عليها للصالح العام بوصفها احد الموارد العامة .
وفي اليمن تناقل الناس جملة من الضوابط والقواعد العرفية التي تحدد ملكيتهم للأرض وشروط استخدامها وطرق حل النزاعات التي تنشأ بين الناس حولها .
ومع ذلك هناك كثيراً من الشواهد التي تشير إلى مخالفة وتجاوز تلك الاعراف والتقاليد والقوانين وسيادة حالات الفوضى والسطو على الأراضي العامة والخاصة باستخدام قوة نفوذ السلطة ، حيث لوحظ استحواذ كبار المشايخ ومسؤلي الدولة والقادة العسكريين على الاراضي وكان ذلك سبباً واضحاً في تخلف اليمن وتدني مستوى التنمية فيه وعدم استقراره .
ولقد برزت مشكلة الاراضي بوضوح بعد حرب 1994م وعلى وجهة الخصوص في الجنوب التي خلفت كثيراً من المعاناة والحرمان تجرعها سكان الجنوب بسبب عبثية التخطيط والصرف للأراضي ، فضلاً عن السطو والنهب المنظم الذي تم لعدد كبير من عقارات واراضي الدولة والاملاك الخاصة من قبل النافذين ، الأمر الذي زاد من تلك المعاناة وحرمان الكثير من حقوقهم وشعورهم بالقهر ، كما زاد من حدوث التصادم والنزاع على الارضي في المجتمع والذي خلف اعداد كبيره من الضحايا خلال السنوات الماضية ، بل وخلق الكراهية والأحقاد في المجتمع ،
بسبب سياسات التمييز والسلوكيات المتمثلة بالغطرسة والاستبداد من قبل السلطات والنافذين تجاه أبناء الجنوب .
لذا نجد أن الطريقة التي تحدد بها كيفية الحصول على الأراضي وتوزيعها واستخدامها وحماية حق التملك والانتفاع بها تنعكس على أمن وأستقرار المجتمع وتطوره ، فاذا ما سادها العدل واحترام الحقوق العامة والخاصة كانت المجتمعات تنعم بالاستقرار والرخاء، والعكس صحيح .
وعليه فان مشكلة الاراضي تعد وأحده من أبرز المشاكل التي خلفتها الحرب على الجنوب في 1994م، وساهمت بإحداث شرخاً اجتماعياً في المجتمع ، وتُعد احد تجليات الحرمان والقهر الاجتماعي الذي موُرس ضد قطاع وأسع من أبناء الجنوب خلال الفترة الماضية واوجد القضية الجنوبية، فضلاً عن القضايا الاخرى .
أن ظهور هذه المشكلة كانت ناتجة عن فشل النظام السياسي والاقتصادي وعجز السياسات من أن توفر وحدة مجتمعية يتوافر فيها الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية وشروط التعايش والاستقرار المجتمعي وعدم التمييز .
منطلقـــــــــات البحث :
يحاول هذا البحث ان يثير مسألة هامة من المسائل التي تلامس حياة الناس وحقوقهم والتي ظهرت في شكل اختلال التوازن الديمغرافي والاقتصادي بعد حرب 1994م في الجنوب التي كشفت عنها هذه المشكلة والناتجة عن عجز الدولة في تامين التحولات المجتمعية وتامين الاستحقاقات الحضارية والاجتماعية في المجتمع التي تحقق الازدهار التنموي والاستقرار السياسي، وتحافظ على مشروع وحدة قابلة للاستمرار .
لذا فان منطلقات البحث تتجه نحو الكشف عن الحقيقة الممكنة التي يجب أن تتخذ مسارات متلازمة اجتماعية وسياسية واقتصادية بما يؤسس لقرأه حقيقية للظاهرة وإيجاد حلولاً عادلة وإنسانية ناجعة تمنع توجه القوة بيد الغلبة وحدوث الاختلال الديمغرافي في المجتمع.
خلفية عامة عن ملكية الأرضي في اليمن :
اتسم طابع الملكية بالهيمنة الإقطاعية على الأراضي الزراعية الخصبة إذ كانت تلك الأراضي تعود ملكيتها إلى كبار العقاريين من الأمراء والسلاطين والملكيين ، لأن اليمن – الشمال – ورث من العثمانيين نظاماً اقتصادياً تمثل بسيطرة الشيوخ والأمراء على أغلب الأراضي الزراعية وذلك بالاستحواذ على الأراضي الشاسعة التي كانت السلطات العثمانية قد أعطت زعماء القبائل الموالين لها حق تملكها بعد أن كانت تابعة للدولة ، كما سيطروا على أراضي الفلاحين الصغار واشتروا بعض أراضيهم بأسلوب الإكراه في المناطق الشمالية ؛ فكان امتلاكها قد شّكل عامل تميز وتأثير بوصفها رمزاً من رموز الجاه واساس استراتيجي للقوة ورهان كاشف عن الوضع الذي ترتقيه القبيلة “رهان الحرب والسلم” ،
وتجدر الإشارة إلى أن تأثير هذا النظام مازال قائماً إلى يومنا هذا، إذ يلحظ أن كبار موظفي الدولة والقادة العسكريين وكبار المشايخ يحضون بنصيب أكبر من الأراضي التابعة للدولة .
وتشير معطيات الواقع إلى أن أغلب أراضي الاوقاف وأراضي الدولة في الشمال كان قد استحوذ عليها كبار مسولي الدولة من العسكر وبعض المشايخ النافذين ، وهو الاسلوب نفسه الذي اتبع في الجنوب بعد حرب 1994م من قبل تلك القوى ، حيث تزاحم الكثير من المتنفذين والتجار وكبار موظفي الدولة من عسكريين ومدنيين على اقتطاع الأرضي لحسابهم الشخصي في بعض المحافظات الجنوبية ، مما باتت مشكلة الأراضي إلى تحدى كبير أمام السلم الاجتماعي والتمايز الطبقي في المجتمع، ومعوق رئيس من معوقات الاستثمار والتنمية.
لقد كان كبار العقاريين من أمراء وسلاطين وزعماء قبائل يستحوذون على أغلب الأراضي الزراعية في كل المناطق الزراعية الخصبة في اليمن ، ففي تهامة مثلاً كان (90 % ) من سكان المنطقة لا يملكون أي أراضي زراعية ويعملون لدى أصحاب الأراضي من كبار الملاك بينما (10 %) من السكان ” الفلاحين” يملكون أراضي زراعية تتراوح مساحتها بين(1– 2) فدانً للملكية الواحدة ، وهكذا كان الحال في بقية المناطق الزراعية ( ).
وعليه فأن ملكية الأراضي الزراعية كانت في أيدي فئة قليلة من المجتمع، الأمر الذي انعكس ذلك في تردي الأوضاع المعيشية للسكان وتدهور النشاط الزراعي، فضلاً عن شحت الموارد المائية، وندرة الأراضي الصالحة للزراعة، وتفتت الملكية الزراعية وتناثرها ضمن المدرجات الزراعية في الريف ، الأمر الذي أعاق قيام مزارع كبيرة وواسعة تسمح بإدخال آلات زراعية حديثة إليها . وقد دفع هذا الوضع بأعداد كبيرة من القوى العاملة في مجال الزراعة إلى الهجرة إلى خارج اليمن أو الهجرة إلى المدن .
ويطلعنا التاريخ الاجتماعي في اليمن عن كثير من قضايا النزاع التي نشبت بين القبائل والجماعات والأفراد حول ملكية الأرضي الزراعية ، إذ لا تكاد منطقة في اليمن ، إلا وتعاني من تلك المشاكل وفي أحياناً كثيرة يؤدي هذا النزاع إلى إراقة الدماء وسقوط اعداد كبيرة من الضحايا أو شهداء الأرضي إذا جاز التعبير.
مشكلة الأراضي في عدن وبقية المدن الجنوبية:
تنفرد عدن بخصائص سوسيولوجية وجغرافية متميزة ولهذا كانت محط أنظار لهجرات داخلية وخارجية عديدة ، جعلت منها مدينة فسيفسائية ،تعايشت فيها جميع الاجناس بمختلف دياناتهم وجنسياتهم ، وبالعودة للتاريخ الحديث للمدينة كانت تابعة لسلطنة العبدلي لحج عند احتلالها من قبل بريطانيا في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وعندما شرع الاستعمار في قيام بعض المشاريع العمرانية أجرى الاتصالات مع شيوخ القبائل في المناطق القريبة كالعقاربة وأشترى منهم أجزاء من الأرض واستأجر بعضها بهدف قيام المشاريع الانمائية عليها .
لقد كانت معظم الأراضي فيها أراضي بيضاء باستثناء أجزاء بسيطة مزروعة منها أو تستخدم كمراعي للقبائل القريبة من ضواحي عدن. أما الأراضي الواقعة في قلب المدينة والقريبة من الميناء فكانت خاضعة لسيطرة الإدارة البريطانية، حيث قامت في تخطيطها بهدف إنشاء المشاريع السكنية والتجارية فوقها وتم تشييد عدد من المنشأة السكنية والتجارية في أحياء عدن المختلفة منذ اربعينيات القرن الماضي، في التواهي والمعلاء وكريتر وخورمكسر .
وبعد الاستقلال 1967م خضعت الأراضي البيضاء لسيطرة ومسؤولية الدولة فهي التي كانت تمنح الأراضي في الحدود الدنيا لبناء المساكن الخاصة وبشروط مشددة .
لم يذكر أن هناك انتشار لصرف الأراضي في فترة ما قبل اعلان الوحدة بين الجمهوريتين كما هو الان ، الاّ في حالات محدودة لبناء المساكن حيث تم صرف قطع أرض صغيرة لغرض السكن في كل من مدينة المنصورة وبعض القطع في أحياء خورمكسر وكريتر والمعلاء والمنطقة الغربية في دار سعد، فضلا عن الاراضي المصروفة للمشاريع السكنية التي تقوم بها الدولة .
وبحكم فلسفة النظام السابق في الجنوب كانت الدولة هي المسؤله عن بناء المساكن للناس ولم يكن هناك من يفكر بالأرض بحكم القوانين السائدة في تلك الفترة التي منعت التملك وتم إصدار قانون التأميم رقم 32 لعام 1972م الذي بموجبه تم تأميم كثير من المساكن والمنشاة الاقتصادية والتجارية وآلت ملكيتها للدولة وقد شكل قانون التأميم مانع أمام الناس واصرفهم عن البناء والتملك العقاري أو المطالبة بالأرض واقتصرت طلبات الحصول على الأرض لفئة محدودة من الميسورين أو تلك الأرض المصروفة لبناء المؤسسات الرسمية عليها، ولم تظهر هناك تجارة ما يسمى بالعقار والمضاربة به كما هو حالياً.
إذ أقدمت الدولة على توزيع المساكن الموممة على الساكنين فيها والراغبين بالسكن وكان يتم توزيع المساكن الخالية على المحتاجين من موظفي الدولة ايضاً، كما قامت الدولة في بناء عدد من الوحدات السكنية في كل من أحياء كريتر والمعلا والمنصورة والشيخ عثمان والممدارة ، حيث انجزت الآلاف من الوحدات السكنية وتم توزيعها على المواطنين، وفقا للنظم المتبعة في ذلك وبحسب الحاجة للسكن .
وفي مطلع العام 1989م مع بدء التحركات العالمية نحو التغيير وتنقل المواطنين بين الشمال والجنوب وبدء الحديث عن الانفتاح نحو الاستثمار في المجال العقاري في ظل عدم مقدرة الدولة على بناء المساكن وعجزها في توفير المساكن للمواطنين الذين زادة طلباتهم على الوزارة المعنية للحصول على السكن ،اتخذت القيادة السياسية قرارات تسمح بموجبها صرف قطع أرض للاستثمار المحدود في المجال العقاري ،وللمواطنين لبناء مساكن شخصية واعّدة المخططات الحضرية لذلك ، كمخطط بير فضل والحسوه ، ومدينة الشعب ، وغيرها ، قبل اعلان الوحدة ، اما بعد اعلان الوحدة فقد تغير النظام السابق حيث انفتح الناس على الأراضي مستفيدين من ما جرى في الشمال وتم البدء في إعداد المخططات العامة وصرف الأراضي في محافظة عدن وبقية المحافظات الجنوبية الاخرى والتي أخذت عدد من الطرق مثل الجمعيات السكنية والزراعية والاستثمار والطلبات الفردية.
المرحلة الانتقالية مرحلة ما قبل الحرب”1990-1994م”:
كانت هذه الفترة قد فتحت المجال وسعاً امام الناس المحتاجين والطامعين بالأرض والسيطرة على الاراضي ، ولقد هرع الناس بصورة لم يسبق لها مثيل بالاندفاع نحو طلبات الأرض اما لغرض السكن أو التجارة أو الاستثمار والسمسرة معاً؛ بسبب الحرمان الطويل في الماضي أو اندفاع القادمين إلى عدن أكان من العائدين من دول مجلس التعاون الخليجي اثنا حرب الخليج الثانية ، أو القادمين من المناطق الشمالية ذات الكثافة السكانية الذي فُتحت لهم الجنوب بعد اعلان قيام الوحدة في العام 1990م، ونقلوا معهم تجربة مافيا الاراضي ومشاكلها والمشارعه التي عُرفت في مناطق الشمال إلى محافظات الجنوب والتي مازالت فيها مساحات واسعة من الأراضي لم تستغل وعلى وجه الخصوص في مدن عدن ولحج وأبين وحضرموت والمهرة وعتق .
وقد تعاملت الجهات المسؤولة عن صرف الأراضي بصورة غير دقيقة وخالية من أبعادها الاستراتيجية والاجتماعية ، إذ رافق عملية الصرف للأراضي انتشار ظاهرة الرشاوى والمحسوبية، التي عُممت بين أوساط العاملين والمسئولين في الأجهزة التي تتولى عملية التصرف بالأراضي ولأول مرة .
وجرى التسابق بين الجهات الرسمية في صرف الأراضي مستغلين أن تلك الأراضي تابعة للدولة ، وهو الوضع غير المألوف في الشمال . وأخذت عدد من المصالح والوزارات تتسابق في صرف الأراضي في عدن ولحج وابين كوزارة الزراعة والأوقاف والامن، وتم استحداث المساحة العسكرية التابعة للقوات المسلحة وقامة في تخطيط وصرف الأراضي للمنتسبين في القوات المسلحة ، كما تم استحداث دائرة خاصة بالاستثمار العقاري في عدن وأقدمت هي الأخرى على صرف الأراضي الاستثمارية في المحافظة لمقدمي طلبات الاستثمار بعد صدور قانون الاستثمار الذي أجاز صرف أراضي للمستثمرين .
يذكر أن المحاكم قد شجعت على ما سمي بإثبات واقعة وتحت هذا الادعاء تقدم البعض بطلب أثبات واقعة بوصفهم أصحاب الأرض وباسطين عليها من خلال إحضار شاهدان للمحكمة يؤكدان بان الأرض بيضاء ولم يظهر لها منازعين وكانت تصدر الأحكام بيسر في دهاليز المحاكم ، إذ صدرت عدد من الأحكام السريعة والتي كان القصد منها هو الاستحواذ على أجزاء ومساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في ضواحي عدن ولحج وابين بهدف التجارة والسمسرة، ويلحظ أن معظم هذه الادعاءات تتم بإيعاز من جهات نافذة في نظام صنعاء للسكان المحليين وبهدف تقاسمهم الأرض معهم أو شرائها منهم بأسعار زهيدة .
ويمكن القول ان طريقة الاستحواذ على الاراضي كانت أبرز اهتمامات كبار المسؤلين في صنعاء بعد الوحدة وتغلغل النظام والعرف المتبع في التعامل مع الاراضي في صنعاء إلى الجنوب ، حيث مثلت هذه الاراضي طعماً مغرياً للطامعين بها ، ولمافيا الاراضي التي عُرفت في الشمال ، وكانت أحدى توجهاتهم نحو التخلص من الطرف الشريك بالوحدة ، فضلاً عن الثروات النفطية والغازية في الجنوب، ليتسنى لهم التصرف بتلك الثروات ، وهذا ما أكدته الشواهد على ارض الواقع بعد حرب 1994م . حيث عم الفساد الأجهزة الإدارية المسؤله عن صرف الأرضي والذي أدى إلى حصر عملية الصرف على فئات محدودة من ذوي الوجاهة والنفوذ في السلطة وأصحاب المال و تقاسم ثروات الجنوب بين امراء الحرب وكبار القادة العسكريين والامنيين والمشايخ ، حيث كان ذلك احد الاسباب التي فجرة الموقف بين شركاء الحرب “السلطة ” في العام 2010م.
تفاقم مشكلة الاراضي بعد حرب 1994م :
منذ انتهاء الحرب في 7/7/ 1994م ، ودخول قوات نظام صنعاء الجنوب بداء عهد جديد من انتهاكات لحقوق الانسان لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، إذ تعرضت جميع قطاعات المجتمع في الجنوب للانتهاكات المستمرة ، وأضّرت كثيراً بحقوق الجنوبيين وحياتهم , على الرغم من الشكاوى والمطالب المستمرة التي قوبلت بتجاهل تام من النظام الذي أمعن في إذلالهم وعسكرة الحياة المدنية وتحويل أراضي الجنوب وثرواته الطبيعية إلى ملكية خاصة وعطايا وهبات تُصرف لغيرهم بتوجيهات من رموز النظام في صنعاء .
وكرّس في الواقع التمييز بين المواطنين، الأمر الذي ولّد استياءً عاماً في الجنوب لاسيما عندما كان يحصل الشماليون على الامتيازات في الجنوب بيسر كالحصول على الأراضي والتعيينات القيادية والتوظيف ، في الوقت الذي يُحرم منها الجنوبيون ،وأصبحت مشكلة الاراضي هي المشكلة التي تهدد السلم الاجتماعي وخلقة التمايز المجتمعي ، بسبب ما رافقها من تمايز واضح بين المنتصر في الحرب والمهزوم فيها ، وارتبطت مسألة صرف الاراضي أو سحبها من السابقين ضمن توجه العمل السياسي للنظام .
فقد تم التعامل مع الأراضي بصورة همجية وعبثية في الصرف أو البسط على كثير من الممتلكات العامة والخاصة ، وتم تغيير كثير من المخططات الحضرية السابقة والتصرف بالمساحات المخصصة للخدمات والمساحات الخضراء وتقليص مساحات القطع المصروفة للمواطنين من سابق ، ولا سيما الاراضي التي وزعت على أفراد القوات المسلحة والأمن بهدف توفر مساحات إضافية يتصرف بها المسولين الجدد المعينين في عقارات الدولة بعد الحرب، ولم يقتصر الأمر على تلك المؤسسات المسؤولة عن صرف الأراضي حيث فتح المجال بصورة واسعة أمام الإدارات والمؤسسات والمصالح الحكومية المختلفة التي عُين فيها مسؤولين جُدد بعد اقصاء السابقين من مواقعهم ، وأقدم هؤلاء بالتصرف بأصول عدد من المؤسسات الحكومية العقارية، كما حصل في مؤسسة اللحوم وشركة التجارة ومستشفى الأمراض النفسية والمؤسسة العامة للحفر والزراعة والمؤسسة العامة للإنشاءات والتركيبات والمياه والتربية والتعليم والمساحة العسكرية والامن ودائرة أسر شهداء ومناضلي الثورة اليمنية ، وتم التنسيق بين مصلحة الأراضي وتلك المؤسسات حول صرف عقود ووثائق التمليك والانتفاع ، واشتركوا معاً في التصرف بتلك العقارات فيما بينهم ، وتم توزيع تلك العقارات والأراضي التابعة للمؤسسات أو المساحات المجاورة لها ، كما جرى مثلاً في اقتطاع اجزاء من المباني والمساحات في أسوار عدد من المدارس والكليات وغيرها من المؤسسات الحكومية هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى تم صرف عقود تمليك للمتنفذين الذين سطوا وبسطوا بالقوة على عدد من عقارات الدولة أو المساحات المخصصة للخدمات في المخططات العامة ، في عدن أو لحج وغيرها في بقية المدن الجنوبية الأخرى .
يذكر بان الأوقاف قد دخلت كطرف رئيس في صرف الأراضي وأقدمت على تخطيط عدد من المناطق البيضاء والمساحات المجاورة للمساجد والمقابر والاولياء وغيرها التي أدّعت بأنها اراضي تابعة للأوقاف مستخدمة بعض الحجج والمؤشرات التي تبرر فيها ذلك الاستحواذ على الارض والتصرف بها ، وفقاً للأسلوب المتبع في الشمال ، مستغلين عدم وجود نظام في صرف اراضي الاوقاف في الجنوب، وكل ذلك يهدف إلى التصرف بتلك الاراضي بعيداً عن بعض التعقيدات الروتينية المتبعة في مصلحة العقارات المألوفة من سابق في الجنوب، لان نظام صرف الاراضي من قبل الاوقاف هو نظام جديد في الجنوب ، وبهذا تمكنت فئة محدودة من خارج محافظات الجنوب من التصرف بتلك العقارات وفقاً للمنهج والطريقة المتبعة والمعتادين عليها في محافظات ومناطق الشمال ، حيث قامت الاوقاف بتخطيط وصرف الاراضي دون مراعاة نظم ومعايير التخطيط الحضري وقواعد الصرف ، ولعب الفساد الدور الرئيس في التصرف بهذه الأراضي .
يذكر أن المنطقة الحرة هي الأخرى التي أقدمت على اقتطاع أراضي واسعة واحتسبتها ضمن أملاكها وأقدمت على صرفها للمستثمرين ومنعت جهات عديدة من السماح لها بالعمل في الأراضي التي تم صرفها لهم في فترات سابقة ، اذ اقدمت على الغاء عدد من العقود السابقة ، وإعادة التصرف بتلك الأراضي ، الأمر الذي أدى إلى ظهور النزاعات في حالات عديدة بين المنطقة وأطراف أخرى على الأراضي ، إعاقة قيام مشاريع التنمية الاستثمارية.
تجدر الاشارة إلى أن التصرف بالأراضي كان قد أرتبط بالتوجيه السياسي لنظام صنعاء بعد الحرب وفقا لمنهج الاقصاء والاستقواء وبهذا الصدد يشير هولسن في كتابه المواطنه المتمرده بان ذلك العمل الذي تمثل في تحويل المواطنه الى درجات متمايزة كان من خلال حيازة وصرف الاراضي ومن ثم في امكانية التحكم في الاقتصاد والسياسة.
وهذا ينطبق على ما جرى بعد حرب 1994م ، حيث تم السطو والسيطرة على ممتلكات الدولة العقارية ومساحات واسعة من الأراضي في الجنوب من قبل المتنفذين في نظام صنعاء ومافيا الاراضي ، وظهور التمييز بين الجنوبيين والشماليين في هذا الخصوص فكان يحصل الشماليين على الاراضي بيسر ، تفتح لهم ابواب الاسكان ومكاتب عقارات واراضي الدولة ، بينما الجنوبيون يقبعون اشهر في طوابير انتظار مراجعة تلك الجهات دون جدوى .
حيث اغتنم الكثير فرصة الحرب للسيطرة على اراضي المهزومين بالحرب، وتحكّم الطرف المنتصر في التصرف بمقدرات البلد وقام بتوزيع الثروة والسلطة لصالح الموالين له وكسب الولاءات ، وقد تسبب ذلك في خلق عدد من الصراعات والفوارق الطبقية في المجتمع ، حيث يشير أحد الباحثين العرب إلى أن معظم الاراضي الجيدة في المغرب توجد في أيدي فارس البالي وشرفاء وزرانيين وعلويين الذين اغتنموا فرصة حرب الريف والمجاعة عام 1945م للسطو على عقارات شاسعة بأرخص الاثمان فنزول القبائل إلى السهل وجعلهم يسيطرون على الارض ، ولا يختلف هذا الامر عن ما جرى في اليمن بعد حرب 1994م حيث اتجه النافذين إلى استخدم عدد من الاساليب للسيطرة على الاراضي الشاسعة والعقارات التي كانت تتبع الدولة الجنوبية ، واستخدموا عدد من الذرائع مثل الدفع بعدد من مدعي الملكيات للأراضي بالمطالبة باستعادة ما امُم عليهم في زمن الحكم السابق ، وأقدمت بعض المحاكم على اصدار احكام للمتقدمين بهذه الطلبات بهدف السمسرة والاتجار بالأراضي وليس بهدف استعادة الحق كما تدّعي ، وكان ذلك يتم بإيعاز من قبل نافذين يتولون متابعة استخراج الارض والاستيلاء عليها مقابل دفع مبالغ مالية زهيدة تعطى للمدعيين بالملكية من السكان المحليين ، ومن امثلت ذلك هو ما حصل في اراضي المصاعبة في عدن أو الاراضي التي بنية عليها بعض المشاريع الاستثمارية كمشروع المدينة الخضراء الواقعة بين لحج وعدن وغيرها .
وقد أدت هذه الاوضاع التي تداخلت فيها جهات الصرف والادعاءات بالملكية والتزوير ، إلى تراكم هذه المشكلات ولم يتم حسمها ، رغم أن البعض قد نبه إلى تفاقم تلك المشكلة التي اعتبروها قنبلة موقوتة ، الا انه مع الاسف لم تولى الدولة أي اهتمام يذكر لتلك الآراء والأصوات التي نبهت إلى خطورة هذه المشكلة من وقت مبكر .
لقد أدت التغييرات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت خلال السنوات الماضية إلى تراكم عدد من المشاكل الاجتماعية وأولها قضية الأراضي خصوصا في المناطق الساحلية التي تتواجد فيها المساحات الفارغة غير المستخدمة كمحافظة عدن وبقية محافظات الجنوب ، وتسبب هذا الوضع في تهميش من هم أقل الناس استعداداً لمواجهة هذه التغيرات ، كما أنعكس ذلك على وجود مشكلات أخرى كتزايد العشوائيات في المناطق الحضرية، كما هو الحال ملحوظ في محافظة عدن التي فتك بها البناء العشوائي وتسبب في تشويه جمال المدينة وأعاق عملية التخطيط والتنمية الحضرية فيها ، هذا من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى ، ظهرت العديد من النزاعات بين عدد من الأطراف على الأراضي ، كما برزت فئة تختص في السمسرة بالأراضي اثرة ثراءً فاحشاً وتسببت في خلق عدد من المشاكل والصدامات المسلحة بين الناس .
وأستغل بعض النافذين مواقعهم الوظيفية للاستحواذ على الأراضي والمتاجرة بها ،الأمر الذي أثر سلبا على عدم حصول الغالبية من البسطاء وموظفي الدولة على الأراضي لبناء المساكن الشخصية ، وقد تحول كثيراً من النافذين ومسولي الدولة إلى تجار عقارات قاموا في بيع عشرات القطع على المغتربين وغيرهم من اصحاب رؤوس الاموال بعشرات الملايين .
ومُورس في الواقع عملاً غير مسؤولا في تخطيط وصرف الأراضي الذي شوهت جمال المدن وطال هذا العبث معالم المدن وآثارها وخصائصها البيئية ، وهدر المال العام وتبديد هذه الثروة.
وتضاءلت الفرص أمام محدودي الدخل ، وأغفلت في وجه الغالبية العظمى من الناس فرص الحصول على الأراضي بعد أن ضلوا زمناً طويلاً ينتظرون الحصول على المساكن أو الأراضي لبناء السكن الذي تمتلي بهم سجلات الإسكان والأراضي وفتح المجال واسعاً لنهب الأراضي التي اشتركت فيها جهات عدة وحكومات متعاقبة ، وبداء على تصرف البعض من المسئولين وكائنهم يعيشوا اللحظة الأخيرة ، وهذا الوضع شجع ظهور الادعاءات غير الشرعية بالأراضي ممثلة في إثبات الواقعة -كما تمة الاشارة إلى ذلك -والوثائق المزورة ووضع اليد ، فضلاً عن تبعات الصرف غير المسوؤل وما رافق ذلك من تضارب وتكرار للقطع المصروفة من سابق ، وتعديل والغاء بعض المخططات الحضرية ، واصطنع البعض حجج الاستثمار أو الشراء من الملاك والتي جميعها موجهة نحو النهب والعبث بهذه الثروة ، وهو الأمر الذي حول عدد قليل من الاشخاص إلى كبار ملاك الاراضي في زمن محدود ، وظهر منهم من يملك مساحات شاسعة من الاراضي في ضواحي عدن أو لحج تقدر بإلاف الافدنة تفوق ما يملكه ابناء تلك المناطق جميعاً من اراضي والامثلة كثير على ذلك .
يذكر ان الدولة السابقة في الجنوب قد اعتمدت على القطاع العام بوصفة رأسمال الجميع وهي المسئولة عن كل ما يتعلق بحياتهم الاقتصادية، والاجتماعية. فالدولة هي المسئولة عن توفير السكن والعمل وفرص التأهيل لمواطنيها . لذا فان تصفية القطاع العام قد أدى إلى الاستغناء عن أعداد كبيرة من عمال هذه المؤسسات ، وصل عددهم قبل 7 سنوات إلى سبعين ألف عامل وعامله تقريباً ، ففي محافظة عدن وحدها بلغ إجمالي عدد المتقاعدين فيها حوالى 45 ألف عامل وعاملة .
والتي يعتمد سكانها على الوظيفة العامة ومنعهم من التملك بما فيها الاراضي ، حيث وجدوا انفسهم امام قوى تقصيهم من الارض والعمل معاً ، ولم يقتصر ذلك على موظفي الدولة فحسب ؛ بل طال هذا الاقصاء القطاع الخاص ممثل في بعض الممارسات الخاطئة والمضايقات التي تعرض لها بعض المستثمرين في الجنوب ، والضغط على بعض الوكالات التجارية بالتنازل عنها لصالح آخرين من النافذين . كما حصل مع وكالة سام سونج عندما تم اعتقال وكيلها في عدن بتلفيق له تهمة أخرى بهدف الضغط عليه للتنازل عن الوكالة ، أو كما حصل مع المستثمر بالخدر الذي أرست عليه المناقصة الخاصة بخصخصة بعض المنشآت الاقتصادية في عدن كمصنع الغزل والنسيج ومصنع البسكويت والمخبز الشعبي، وعندما فاز بهذه المناقصة تم تلفيق له قضية كيدية بهدف إلغاء المناقصة وإدراجه السجن. وقد تعطلت كثيراً من المشاريع الاستثمارية في الجنوب بعد حرب 1994م بسبب تلك الممارسات والمضايقات التي تعرض لها الكثير من المستثمرين وافتعلت لهم المشاكل المتعلقة بالأراضي التي شرّعوا قيام المشاريع الاستثمارية فوقها .
وقد نبهت احدى الدراسات المبكرة عن مشكلة الاراضي في عدن إلى خطورة هذه المشكلة ودعت الدولة إلى إعادة النظر في كيفية معالجة قضايا الأراضي في المحافظات الجنوبية بوصفها قنبلة موقوته تهدد أمن وأستقرار المجتمع والتي باتت رائحتها تفوح في المجتمع. وحددت بعض المقترحات ومع الاسف لم يتم الانتباه لها والتفاعل معها وهنا سوف نعيد ذكر أهم المقترحات التي خلت لها هذه الدراسة نصا للدلالة على تعنت النظام وعدم اعترافه بتلك القضايا التي ظهرت كقضايا مطلبية وحقوقية في بداية الأمر وهي كالاتي :
1- تحديد جهة واحدة تتولى الإشراف على الأراضي وتوزيعا بإدارة فعالة وعادلة تضمن فرص حصول الأجيال على الأراضي السكنية والاستخدام الأمثل للأرض، والاستفادة من هذه الأراضي وعوائدها لخدمة التنمية والاستثمار الحقيقي، فلابد من اتخاذ آليات جديدة وفعالة تمكن من سهولة الحصول على الأرض وفق الأحقية للسكان المحليين والأولوية لعمليات الاستثمار الفاعلة والمفيدة للمجتمع بما يؤدي إلى تحقيق التوازن والعدالة الاجتماعية وتامين طموح الحصول على المساكن المناسبة وتحقيق التنمية المستدامة في المجتمع.
وعليه لابد من إعادة النظر في سياسات حيازة الأراضي ومعالجة المشاكل الناجمة عن سوء التوزيع السابق والسطو بصورة صريحة تضمن البعد الاجتماعي، من خلال تأسيس هيئتان لمعالجة قضايا الأرض وهي:
أ : تأسيس هيئة اجتماعية من الشخصيات المشهود لها بالنزاهة والخبرة وممثلين عن الملاك والسلطة المحلية وأعضاء اللجنة الزراعية، وتتولى معالجة مشاكل الأراضي وتحدد أسس واضحة تقوم عليها المعالجات بالاستفادة من خبرات اللجنة الزراعية .
ب: تأسيس محكمة متخصصة تتولى الفصل النهائي بمشاكل الأراضي -على وجه الخصوص الأراضي الزراعية- بوصفها الجهة القانونية والاستشارية للأولى وتنظر في التظلمات المقدمة اليها.
– تقوم الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط في مسح شامل لأراضي الدولة المتبقية والعائدة من جرا المعالجات وتخطيطها بصورة حضرية تركز على تخطيط قطع ارض سكنية ويتم صرفها للشباب الراغبين ومن الذين لم يسبق أن صرفت لهم أراضي، وتأخذ بعين الاعتبار سكان عدن والمسجلين من سابق في سجلات الإسكان منذ أكثر من عشر سنوات . وتم إيصالها شخصيا إلى بعض المسولين في قيادة الدولة ومع الاسف لم تلتفت لها تلك الجهات.
الاستنتاج العــــــــــــــام :
أن الخلل الكبير الذي أحثته قضية الأراضي التي أدت بالضرورة إلى غياب مبدى العدالة الاجتماعية وخلق الفوارق الطبقية والنزاعات والعداء بين الناس وما لحق بذلك من مخاطر كثيرة القت بظلالها على أمن واستقرار المجتمع، فإن الناس بحاجة دائماً إلى تامين الحدود الدنيا لحماية مصالحهم وحقوقهم التي تشعرهم بالمواطنة وتعزز قيم الانتماء لديهم كالحصول على الأرض وعلى المأوى بصورة عادلة تتسم بالكفاءة والحاجة والقدرة على الاستخدام الأمثل للأرض، وذلك لم يتم الا بوجود نظام يضمن كفالة الفرصة أمام اصحاب الحق ورفع المظالم عنهم واعادة ما نهب منهم .
لقد تسببت السياسات السابقة للنظام في بروز هذه القضية الشائكة في المجتمع ، والتي أدت إلى فقدان فرص الحصول على الأراضي لذوي الدخل المحدود ، أو نهبها منهم ، وعد م تمكين اعضاء الجمعيات السكنية من تسلمهم اراضيهم التي صرفت لهم قبل 23 سنة وقد توفى العديد منهم دون ان يعرف مكان الارض المصروفة له ليوصي ابنائه بها ، وهذا المنع المتمثل بعدم تسليم اراضي الجمعيات لأصحابها كان يستند إلى مبررات واهية وهو أن السلطات تسعى مع الشركات الاجنبية لتتولى تنفيذ هذه المشاريع للموظفين من اعضاء الجمعيات ، وهذا الادعاء كان يخفي وراءه في حقيقة الأمر مآرب أخرى لبعض المتنفذين في السلطة المحلية بالمحافظة والمركز والمتمثل في منح فرصاً للمستثمرين الذين شرعوا ونفذوا عدد من المشاريع السكنية وبيعها على ميسوري الدخل من المحتاجين ، مقابل رشاوي يستلمها هؤلاء المسؤلين من المستثمرين ومنها حصولهم على الشقق والفلل في هذه المشاريع .
وعليه أن كل ما ذكر أعلاه كان قد أضر كثيراً بالفئات الأكثر حرمانا في المجتمع ، وخلق القهر الاجتماعي والمعاناة ، والافقار التي خلفت في احياناً كثيرة آثاراً غير منظوره في نفسيات الكثير من المتضررين ، والتي انعكست على تدهور صحة البعض منهم وتعرضهم للصدمات القلبية والجلطات الدماغية ، كما تسببت في احداث الصراعات الأسرية وهدر كثيراً من مدخراتهم في المشارعه والرشاوي – وضياع مستقبل ابنائهم بعد عزوفهم عن مواصلة التعليم ، كما يرويها الكثير من الذين تم مقابلتهم .
أن قرار رئيس الجمهورية الاخير بتشكيل لجنة لمعالجة قضايا الأرض قد جاء متأخراً كثيراً ولم يخرج عن فلسفة الحكم السابقة نفسها في جوانب كثيرة منه ، إذ سبق وتم تشكيل لجان عدة سابقة لهذا الخصوص ، ومع الاسف لم تنجح في مهامها ، ولهذا نرى أن معالجة هذه المشكلة لا ينظر اليها من زاوية التعويض المادي فحسب ؛ فبدون المساس بسحب تلك الملكيات التي أخذت بقوة النفوذ والتحايل سواء من الممتلكات العامة أو الخاصة ، فان المشكلة ستبقى قائمة بأبعادها السياسية والديمغرافية المستقبلية في المجتمع.
وعليه نقترح على الدولة الاعتراف الصريح والواضح بالإجراءات والسياسيات الخاطئة التي جرت في مجال صرف الأراضي والنهب والاستحواذ على الاملاك العامة والخاصة بعد حرب 1994م وحتى اليوم ، وان تتجه في معالجتها بعيداً عن الاليه الحالية التي تستند عليها اللجنة المكلفة بقضايا الاراضي ، التي تبحث تقديم التعويضات المادية للمتضررين ممن نهبت اراضيهم وعقاراتهم ، حيث أن بقاء المتنفذين والباسطين حائزين على الاملاك العامة والخاصة وكل ما كسبوه من اموال بسبب المتاجرة بتلك الاراضي والعقارات ، دون المساس بذلك فلا تعد حلولاً عادلة وضامنة لوجود استقرار وتنمية في المجتمع ،اذا ما تم استعادة تلك الأصول والاموال منهم ، بصورة واضحة .كما جرى في تجارب عدة في العالم .
وعليه نرى من الضرورة في اتخاذ قرار بإعادة الاراضي البيضاء الذي تم الاستحواذ عليها بطرق مختلفة ، غير التي تم بيعها، واستعادة نسبة لا تقل عن 70-80 %من الاموال التي بُيعة بها لصالح خزينة الدولة ، اما الاراضي الخاصة فاعتقد ان تعاد لأصحابها.
الملخــــــــــــــــــــــــص العام :
تَمثل البسط والاستيلاء على الأراضي والعقارات العامة والخاصة في الجنوب من خلال الآتي( ):
1. البسط والسيطرة على الأملاك العامة والخاصة من أراضي ، وعقارات تابعة لمؤسسات ودوائر حكومية مختلفة كانت تابعة لدولة الجنوب السابقة، وتم صرف وثائق تمليك بها لقيادات عسكرية وأمنية وقبلية ومتنفذين بأساليب وطرائق مختلفة ، في الوقت الذي تم حرمان الكثير من الجنوبيين من الحصول على الأراضي بعد حرب 1994م .
2. نهب أراضي وممتلكات عدد كبير من الجنوبيين لا سيماء من الذين حسبوا على الطرف المهزوم في الحرب وعلى القيادات الجنوبية السابقة . حيث تم الاستيلاء على 5112 أرضية في مخطط الاراضي المصروفة للعسكريين في كل من بير فضل والممداره على سبيل المثال لا الحصر.
3. تم اعتماد نظام تمليك الأراضي في الجنوب على أبناء الشمال في الغالب والذين كانوا يحصلون عليها كهبات بتوجيهات فوقية ، بينما سرى نظام التأجير على أبناء الجنوب.
4. تم الاستيلاء على الأراضي الشاسعة عبر التزوير أو الدفع بالبعض بادعاءات ملكية الأرض بحيث يتولى المتنفذون متابعة ذلك، ومن ثم الاستحواذ على اجزاء كبيرة منها مقابل استخراجها ،أو دفع ثمن بخس لما يسمى بالملاك كقيمة للأرض ، ومن أمثلة ذلك تلك الأراضي الشاسعة التي ادّعى ملكيتها المصاعبة في دار سعد بمحافظة عدن والمحددة بعشرة بلوكات بهدف بيعها بثمن بخس لأحد الشخصيات النافذة، أو أراضي كالتكس (المنطقة الحرة) التي استولت عليها شركة المنقذ وهي شركة وهمية تتبع احد شيوخ حاشد إذ إدّعت هذه الشركة ملكيتها لمساحات شاسعة من الأراضي تقدر بنحو (1,260,000 متر مربع) في منطقة كالتكس بمحافظة عدن. ورفض هذا الإدّعاء بحكم من محكمة عدن .
5. الاستيلاء على أراضي الجمعيات والتعاونيات الزراعية، فقد تم الاستيلاء على 35 جمعية زراعية تضم خمسة وثلاثين ألف عضو من الموظفين في أجهزة الدولة من العسكريين والمدنيين والمواطنين, الذين حازوا عليها بموجب وثائق شرعية وقانونية، إذ أقدم بعض المسؤولين في الدولة على دفع البعض بادعاءات ملكية تلك الاراضي ، وتعميد وثائق البيع والشراء غير المشروعة لهذه الأراضي، وتشير الإحصائيات إلى أنه تم نهب مئة وعشرين ألف فدّان ، يكفي هنا أن نذكر بعض الأمثلة إذ أن أحد المتنفذين استولى على أرض بمساحة خمسة ألف فدّان في المنطقة الواقعة بين عدن ولحج ، وهناك حالات كثيرة مثل ذلك.
6. الاستيلاء على بعض المخططات المصروفة من سابق لا فراد الجيش أو الامن مثل مخطط ضباط الشرطة منطقة النصر عدن مثلا ًوتوزيعه على قيادات أمنية بعد الحرب يشمل ما يقارب 148 قطعة .
7. تحويل مقرات عدد من مؤسسات دولة الجنوب إلى املاك خاصة للبعض بعد نهب مقوماتها المادية وتقاسمها غنائم حرب بين أمراء الحرب من الأسرة الحاكمة وكبار المشايخ والعسكريين والمجاهدين وبعض التجار الداعمين والممولين للحرب ، وحرمان العمال الذين قضوا أعمارهم في بنائها والحفاظ عليها، الامر الذي ولدّ الاستياء والإحباط لدى هؤلاء العمال واغلبهم لا يمتلكون مساكن لعائلاتهم . إذ بلغ عدد المصانع والمؤسسات التي تم تصفيتها مائة وثلاثين مؤسسة صناعية وتجارية وخدمية، منها 30 مصنعاً ، وثمانية وعشرين مؤسسة خدمية وإنتاجية مركزية، وفروعها المنتشرة في جميع المحافظات الجنوبية ، انظر الجداول 1-3 المرفقة.
8. بيع بعض المؤسسات الإنتاجية تحت مسمّى الخصخصة التي اقتصرت على المؤسسات الصناعية والخدمية في الجنوب التابعة للدولة، حيث تم بيعها بأثمان بخسة لقاء مصالح متنفذين في النظام.
9. تم الاستيلاء على الأراضي المخصصة لأسر الشهداء في منطقة بير فضل والتي بلغت 4178 قطعة أرض .
10. تم اقتحام ما يقارب 1357 مسكن والاستيلاء عليها بعد الحرب في مواقع مختلفة في محافظة عدن مثل مساكن القاعدة الادارية بخور مكسر ومساكن الصولبان ومساكن في الممداره ووديع حداد وبير ناصر وحي معاشيق والقرية الروسية في خور مكسر .
11. تم سحب الاراضي من 105 مستثمر جنوبي والاستيلاء عليها بالقوة والتي تبلغ مساحتها 43843145 متر مربع صرفت اجزاء كبيرة منها للمتنفذين .
12. استبدال المخططات الحضرية وتعديلها بمزاجية دون مراعاة أسس وقواعد التخطيط الحضري كما حصل في مخططات لحج . حيث تم الغاء المساحات الفارغة والمساحات المخصصة للخدمات وتوزيعها قطع اراضي ، وتقليص قطع اراضي من اجل إضافة اراضي جديدة في مخططات الجيش.
13. هناك مثلاً 15 شخص من المتنفذين الشماليين استولوا على مساحات واسعة في محافظة لحج تقدر ما يعادل 24% من مساحة محافظة عدن .
الملاحـــــــــــــــــــــــــق:
جدول (1) يوضح بعض الأمثلة في النهب واستحواذ على العقارات والاراضي.
جدول (2) يوضح مصانع القطاع العام والمختلط التي تم تصفيتها في الجنوب.
جدول (3) يوضح أبرز المؤسسات والشركات الحكومية التي تم تصفيتها في الجنوب.
ملحق (1)
البيان المحافظة المســـــــــــــــــــــــاحة بالفدان المستخوذون عيها
الاراضي الزراعية لحج 96,303 85 شخص من النافذين
الاراضي الزراعية عدن 4,418 333 شخص من النافذين
اراضي الجمعيات الزراعية 89جمعية
تضم 27000 عضو عدن /لحج /ابين
92000 السلطة وبعض النافذين
اقتحام المنازل الخاصة 1357منزل ……………. ……………..
المواقع الاستثمارية 105 4384314,5متر مربع صرفة منها 1873503 متر مربع
لـ261 من القيادات والمتنفذين
نهب اراضي مخططات العسكريين عدن 5260 قطعة السلطة و بعض الاشخاص
اراضي الشهداء عدن 4178 قطعة السلطة
ملحق (2)
متسلسل أسم المصنع
المكان متسلسل أسم المصنع المكان
1 الغزل والنسيج المنصورة/ عدن 16 البسكويت والحلويات المنصورة/ عدن
2 المخبز الآلي المنصورة/عدن 17 المخبز الآلي المعلا/ عدن
3 الملابس الجاهزة المنصورة/ عدن 18 صيرة للمشروبات المنصورة/عدن
4 الأدوات الزراعية خورمكسر/ عدن 19 الغاز كريتر/عدن
5 الألبان خورمكسر/عدن 20 الطماطم الفيوش/لحج
6 المياه الغازية المنصورة/عدن 21 السجائر(مختلط) المعلا/عدن
7 الطلاء(مختلط) المعلا/عدن 22 الصابون خورمكسر/عدن
8 المباني الجاهزة المنصورة/عدن 23 تعليب الأسماك شقره/ أبين
9 تعليب الأسماك المكلا/حضرموت 24 طحن الأسماك المكلا/حضرموت
10 الثورة للصناعات الحديدية خورمكسر/عدن 25 وحدة تعبئة التمور سيئون/حضرموت
11 الأواني المنزلية المعلا/عدن 26 الجندي للبلاستيك خورمكسر/عدن
12 الادوات الزراعية خورمكسر/عدن 27 محلج القطن صبر/ لحج
13 البطاريات (مختلط) القلوعة /عدن 28 محلج القطن الكود/أبين
14 الاسفنج(مختلط) المنصورة 29 الصناعات الجلدية (مختلط) كريتر/عدن
15 العطور(مختلط) المعلا/عدن 30 الألمنيوم ( مختلط) المعلا عدن
الاجمالي 30 مصنعا. منها 25 مصنع كانت تتبع الدولة في الجنوب و5 مصانع قطاع مختلط بين الدولة والقطاع الخاص
ملحق (_3)
متسلسل
اسم المؤسسة / الشركة موقعها متسلسل
اسم المؤسسة / الشركة موقعها
1 شركة الصيد الساحلي التواهي/عدن 15 شركة أحواض السفن التواهي/عدن
2 شركة أحواض السفن التواهي/عدن 16 محطات التأجير الزراعية في المحافظات جميع المحافظات الست
3 طيران ( اليمدا ) دمجها مع اليمنية خورمكسر/عدن 17 الشركة الوطنية للأدوية خورمكسر/عدن
4 شركة تزويد البواخر التواهي/عدن 18 المؤسسة العامة للمطاحن المعلا/عدن
5 مؤسسات العامة الاصطياد التواهي عدن 19 المؤسسة العامة اللحوم المعلا/عدن
6 شركة التجارة الداخلية وفروعها بالمحافظات المعلا/عدن وبقية المحافظات 20 المؤسسة العامة للملح تم تحويها للمؤسسة الاقتصادية العسكرية خورمكسر/عدن
7 شركة النقل البري وفروعها بالمحافظات جميع المحافظات 21 مؤسسة الطرق والجسور وفروعها جميع المحافظات
8 شركة النصر للتجارة الحرة خورمكسر/عدن 22 المؤسسة العامة لتجارة مواد البناء القلوعة /عدن
9 هيئة الطيران المدني خورمكسر/عدن 23 المؤسسة العامة للخضار والفواكه عدن وفروعها
10 الشركة العامة للإنشاءات والتركيبات الصناعية المنصورة/عدن 24 المؤسسة العامة للمحاجر خورمكسر /عدن
11 المجمعات الاستهلاكية(3) محافظة عدن 25 الشركة الكويتية اليمنية للأسماك التواهي /عدن
12 المشاريع اليمنية السوفييتية دار سعد/عدن 26 المؤسسة العامة للسينما كريتر/عدن
13 شركة التجارة الخارجية المعلا/عدن 27 الورش العامة لإصلاح السيارات المعلا/عدن
13 المؤسسة العامة للحفر دار سعد/عدن 28 المؤسسة العامة للمسرح التواهي/عدن
إجمالي
28مؤسسة خدمية وثقافية وتجارية جمعها كانت تتبع الدولة وتستوعب أعدادً كبيرةً من العمال
رئيس مركز دراسات الرأي العام والبحوث الاجتماعية “مدار”