مراهنة السفير السعودي واخوان اليمن على عودة “حسن باعوم”
صلاح السقلدي
كُلما تحدثت الأمم المتحدة عبر مبعوثيها الى اليمن أو غيره من المسئولين الأمميين والدوليين عن أمكانية مشاركة الطرف الجنوبي بمفاوضات التسوية السياسية الشاملة مُـشاركة خارج عباءة هذه المسماة بالشرعية وخارج الجلباب الخليجي , وكلما أحرزت القضية الجنوبية ومكسبا سياسيا لها على المستوى الداخلي والخارجي،- حتى ولو كان مكسبا متواضعا- كلما حرّكتْ القوى المحلية والإقليمية- والسعودية بالذات – أدواتها وأذرعها بالداخل والخارج لتثير بها غبار التشويش، ونقع الضبابية أمام عيون العالم، أي محاولات بائسة لتزييف الواقع الجنوبي وانتحال صفة مشروعه وقناعاته السياسية من خلال تفريخ كيانات بالونية تستخدمها للحاجة ومن ثم رميها في أقرب مكب، أو محاربة القوى الجنوبية الفاعلة على الأرض والمؤمنة فعلا بالانتصار للقضية الجنوبية، والتقليل من حجم هذه القوى جماهيريا عبر غثاء وسائل إعلام وأصوات مسترزقة وغزارة المال السياسي .
فحين شاهدنا قبل شهور انفتاحا ملحوظا في خطابات المبعوث الأممي السابق “مارتن جريفت” وفي تقاريره وإفاداته المقدمة لمجلس الأمن بشأن ضرورة أشراك الجنوب كطرف فاعل بمشاورات الحل السياسي سارعت تلك القوى بمعية السفير السعودي على عجالة لتشكيل كيان مسخ مشوه ينتحل اسم القضية الجنوبية، اسمته التجمع اليمني الجنوبي، برغم معرفتها لخصومة كثير من عناصره ومموليه بالمال والإعلام لكل ما يمت بصلة للقضية الجنوبية، وبمجرد انتهاء مهمته رمت به سلة المخلفات ، ولم تبق منه سوى أسمه يوضع بذيل بيانات موسمية خدمة لأجندة المول وإنفاذا لرغبات الوكيل.
اليوم وبعد إطلاق المبعوث الأممي الجديد تصريحات جيدة حيال القضية الجنوبية تتحدث عن ضرورة إشراك الطرف الجنوبي شراكة حقيقية بأية مفاوضات، كون تلك المفاوضات -بحسب المبعوث- ستنهي بالفشل إن تم تجاهل لطرف الجنوبي. تلى تصريحات تلك بزيارة قام بها لعدن شكلت صدمت مدوية بوجه هذه المسماة بالشرعية ، بل ولمقر المجلس الانتقالي أيضا ،ولقاء رئيس المجلس عيدروس الزبيدي لتكون الصدمة مضاعفة.
وبسبب كل هذه التطورات المزعجة والمخيبة للآمال استشعرت تلك السلطة ومعها السفير السعودي واللوبي الإخواني الصحوي الماسك الذي لا يزال مؤثرا الى حد كبير على صنع القرار السياسي السعودي منذ عقود خطورة كلام المبعوث واعتبرته تشجيعا للانتقالي الجنوبي ولكل القوى الجنوبية المؤمنة فعلا باستعادة الحق الجنوبي وتشجيعا له على الخروج عن النص، وطفقت على إثر ذلك بالبحث عن كيان وشخصيات جنوبية لتقوم بالمهمة القديمة – أي إثارة حالة من التشويش السياسي على القضية الجنوبية واقصاء الانتقالي من أي دور وازاحته من المشهد وتصوير الأمر بأن ثمة قوى جنوبية بوسعها أن تمثل القضية الجنوبية بأية مفاوضات بدلا عن المجلس الانتقالي.
فبعد أن أدركت هذه السلطة وأحزابها ومعها السفير السعودي وشلته أن كرت الكيان المسمى بالمجلس الوطني اليمني الجنوبي قد أستفذ رصيده مبكرا، عمدت هذه المرة الى الإيعاز ولو بشكل غير مباشر للمناضل حسن باعوم ومجلس الحراك الجنوبي ولبعض الشخصيات التي هي على خصومة مع المجلس الانتقالي للعودة على وجه السرعة الى حضرموت وعدن للقيام بمهمة جديدة قديمة، ولكن من سوء حظ هذه السلطة وعرابها” السفير آل جابر” أن المناضل باعوم – وبعض الشخصيات المحترمة- الذي بذل جُــل حياته النضالية مناصرا مخلصا للحق الجنوب منذ غداة غزوة 1994م ليس على شاكلة نخاسي الأوطان والمتهالكون على فتات موائد اللئام، ولن يكون صولجان بيد أحد لمواجهة رفاق دربه بالجنوب سواء في المكلا أو عدن. – أو هكذا نأمل أن نرى موقفا من المناضل باعوم -لنرى كيف سيفشل هذه الحيلة والمكيدة وكيف سيستفيد بذكاء من هذا الرضاء الزائف من هذه الشرعية وعرابها لبث الروح أكثر وأكثر بجسد القضية الجنوبية بعيدا عن مكيدة الصدام برفاق دربه- فهم بكل الأحوال رفاق نضال- وأن تباينت الآراء والأفكار معهم. ولكن تظل نصف مهمة أفشال الوقيعة وتفويت فرضة فتنتها على عاتق المجلس الانتقالي الجنوبي ، فمن خلال أبدائه لحُسن استقبال الزعيم باعوم وتأمين أقامته ومد يد التواصل معه سيكون الانتقالي ليس فقط قد فوت فرصة إثارة الفتنة، بل قد هدم جدار القطيعة وبنى عوضا عنه جسر التواصل والعمل المشترك، وقلبَ السحر على الساحر ، أو هكذا أيضا نأمل أن نرى موقفا للانتقالي، فالدسائس لن تُــفشل إلا بدهاء ورباطة جأش وحسن تقدير للأمور بعيدا عن حالات الطيش الانفعال. فقد آن الأوان للانتقال من طيش الانفعال الى وقار الفعل.
*صلاح السقلدي: كاتب ومحلل سياسي