صحيفة دولية: حكومة حقيقية أم توزيع ما تبقى من أموال ومصالح
المشهد الجنوبي الأول _ متابعات
جاءت تركيبة الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض التي أعلن عنها، مساء الجمعة، بعد حوالي عام على توقيع الاتفاق بين “الشرعية” اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، انعكاسا مباشرا لموازين القوى التي أفرزتها الحرب والصراعات السياسية في المعسكر المناوئ للحوثيين خلال السنوات الستّ الماضية.
وبرز المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب التجمع اليمني للإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن) كقوّتين رئيسيتين مهيمنتين على قوام الحكومة المكونة من 24 وزيرا برئاسة معين عبدالملك، مع غياب لافت لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي توزّعت الحقائب المخصصة له على شخصيات لا تنتمي للخط السياسي للحزب الذي أسسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
رشا جرهوم: هذه الحكومة لا تمثلني، والأمل في وطن يصون حقوقنا كنساء تضاءل
وحذّر مراقبون يمنيون من أن الحكومة الجديدة قد لا ترتقي إلى حكومة حقيقية قادرة على حل أزمات اليمن، وأنها ربما تكون حكومة لتوزيع المصالح والمنافع بمراعاة التوازنات القائمة.
ووفقا للتشكيلة النهائية للحكومة التي بثتها وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، مساء الجمعة، فقد أسندت حقيبة وزارة الخارجية لسفير اليمن بواشنطن أحمد عوض بن مبارك، الذي تردّدت أنباء عن رفضه المنصب قبل موافقته في وقت لاحق، فيما احتفظ وزير الدفاع المقرّب من حزب الإصلاح الفريق محمد علي المقدشي بمنصبه كوزير للدفاع. كما احتفظ وزير المالية سالم بن بريك بمنصبه في وزارة المالية، إلى جانب تعيين اللواء إبراهيم حيدان وزيرا للداخلية، وهي الحقائب السيادية الأربع التي نصّ اتفاق الرياض على منح حق اختيارها للرئيس عبدربه منصور هادي.
وحصل حزب الإصلاح في الحكومة الجديدة على خمس حقائب وزارية، هي الشباب والرياضة، والتعليم العالي والفني، والشؤون القانونية وحقوق الإنسان، (كانت مخصصة للمؤتمر) والصناعة والتجارة، والصحة.
وباستثناء تعيين معمر الإرياني وزيرا للإعلام والثقافة والسياحة، لم يتم تعيين أيّ قيادي من حزب المؤتمر في الحكومة الجديدة، كما تم استبعاد كل الأسماء التي لا تحظى بعلاقة جيدة مع منظومة حزب الإصلاح المسيطرة على مؤسسات الشرعية، في الوقت الذي توزّعت فيه بقية حقائب المؤتمر على شخصيات تنتمي لمراكز القوى، كما هو الحال مع وزارتي الاتصالات والنفط، بينما تم تعيين وزير لشغل حقيبة العدل وآخر للكهرباء من المقربين من تيار الإخوان.
وكشفت مصادر مطلعة لـ”العرب” عن تدارس عدد من قيادات المؤتمر المتواجدة في الرياض والقاهرة وعدد من العواصم الأخرى طريقة التعاطي مع الحكومة الجديدة، في ظل ما اعتبر استلابا لحصة المؤتمر، وفرض وصاية من قبل مكوّنات أخرى على أسماء المرشحين التي تقدم بها الحزب، والتي تم الاعتراض عليها من قبل قيادات إخوانية.
وقالت المصادر لـ”العرب” إن قيادات المؤتمر قد تصدر تعليقا رسميا خلال الساعات القادمة على تشكيل الحكومة، معتبرة أن التهميش الذي طال الحزب قد يعزّز من حالة القطيعة بين أجنحة الحزب وقواعده الشعبية وبين “الشرعية” التي تتهم بالخضوع لإرادة حزب الإصلاح.
ماجد الداعري: حكومة محاصصة سياسية في أصعب مرحلة ومصيرية لليمن
وحصل المجلس الانتقالي الجنوبي على أربع حقائب في الحكومة الجديدة، هي الزراعة والريّ والثروة السمكية، والشؤون الاجتماعية والعمل، والنقل، والأشغال العامة والطرق، إضافة إلى تعيين وزيرين أحدهما من حصة الحزب الاشتراكي اليمني (واعد باذيب وزير التخطيط والتعاون الدولي) والآخر من حصة مؤتمر حضرموت الجامع (عبدالناصر الوالي وزير الخدمة المدنية والتأمينات) من المقرّبين من المجلس.
كما حصل الحزب الاشتراكي اليمني على وزارة المياه والبيئة، وحصل حزب الرشاد السلفي المقرّب من الإخوان على وزارة الأوقاف والإرشاد، بينما احتفظ الحزب الوحدوي الناصري بحقيبة الإدارة المحلية.
وجهويا تم تعيين 11 وزيرا ينتمون للمحافظات الشمالية، فيما تم تعيين 13 وزيرا من الجنوب، بينما لم يتم تعيين أيّ امرأة في الحكومة، في ظل حملة تقودها المكوّنات النسائية اليمنية للاعتراض على غياب حصة المرأة التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني.
وفي تعليق لـ”العرب” على خلوّ الحكومة من أيّ عنصر نسائي، قالت الناشطة اليمنية رشا جرهوم “كنت إلى آخر لحظة بعد سماعنا التسريبات حول تشكيلة خالية من النساء وأنا على أمل بأن قيادات الدولة سيستمعون لنداءاتنا ومطالبنا بإشراك النساء اللواتي يمثلن نصف المجتمع ولكن للأسف تمّ اعتماد التشكيلة الذكورية”.
وأضافت “اليوم سجل التاريخ الدخول في مرحلة سوداء بالنسبة إلى مشاركة النساء السياسية في اليمن. لا أشعر بأن هذه الحكومة تمثلني وأملي يتضاءل في استعادة وطن يصون حقوقنا كنساء”.
واعتبر سياسيون يمنيون أن الإعلان عن الحكومة الجديدة سيكون بمثابة مرحلة جديدة في عمر “الشرعية” اليمنية بعد انضمام المجلس الانتقالي لقوامها، محذرين من مساعي تيار قطر وجماعة الإخوان نقل الصراع السياسي مع المجلس إلى داخل الحكومة بهدف إرباك أولوياتها وتعطيل برنامجها الذي يتضمن معالجات التحديات الاقتصادية والخدمية وحتى العسكرية التي تفاقمت نتيجة الصراع بين مكوّنات الشرعية.
وقال القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي أحمد عمر بن فريد في تغريدة على تويتر إنه بإعلان الحكومة الجديدة “نستطيع أن نقول بأنه قد انتهى الفساد والصفقات المشبوهة ونهب المال العام والاتجار به، والمغامرات العسكرية الطائشة المموّلة من محور قطر وتركيا والتي يذهب ضحيتها خيرة أبناء الجنوب “.
وتعليقا على التركيبة الجديدة، أكد الصحافي اليمني ماجد الداعري أن الحكومة تمثل محاصصة سياسية في أصعب مرحلة وطنية ومصيرية حاسمة يترتب عليها إنقاذ اليمن وشعبه الذي يعاني من ظروف معيشية بالغة الصعوبة.
وأضاف “التشكيلة الحكومية غلبت عليها المعايير الحزبية في مرحلة الوطن أحوج ما يكون للكفاءات والشخصيات الوطنية النزيهة”.
وقوبل الإعلان عن الحكومة بمباركة إقليمية ودولية واسعة، حيث رحبت وزارة الخارجية السعودية “بتنفيذ الأطراف اليمنية ممثلة بالحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي لاتفاق الرياض، وبما تم الإعلان عنه من تشكيل حكومة كفاءات سياسية تضم كامل مكونات الطيف اليمني”.
وثمّن البيان “حرص الأطراف اليمنية على إعلاء مصلحة اليمن وتحقيق تطلعات شعبه الشقيق لإعادة الأمن والاستقرار”.
كما رحّبت الإمارات بتنفيذ اتفاق الرياض وإعلان الحكومة معربة في بيان صادر عن وزارة خارجيتها “عن أملها في أن تكون خطوة على طريق تحقيق حل سياسي وتسريع الدفع بمسارات إنهاء الأزمة اليمنية”.
خطوة مهمة لتعزيز الاستقرار
ورحّب وزير شؤون الشرق الأوسط في الحكومة البريطانية جيمس كليفرلي بإعلان الحكومة الجديدة، مشددا على ضرورة “العودة لتقديم الخدمات الأساسية والعمل مع مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن بشأن إحراز تقدم سياسي أوسع نطاقا”.
وعلّق المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث بالقول إن “هذه خطوة مهمة لتعزيز الاستقرار وتحسين مؤسسات الدولة ورفع مستوى الشراكة السياسية، وهي أيضًا خطوة محورية نحو حل سياسي دائم للصراع في اليمن.”
وأكدت مصادر سياسية يمنية أن الترحيب والدعم اللذين أبداهما المجتمع الدولي تجاه إعلان الحكومة وتنفيذ اتفاق الرياض، ينطلقان من التعامل مع هذا الاتفاق كخطوة على طريق التوصل لاتفاق شامل للسلام في اليمن، عبر خطة “الإعلان المشترك” التي يسوّق لها المبعوث الأممي إلى اليمن وتحظى بدعم أممي ودولي.
*- العرب