صحيفة عربية: الهُجوم الحوثي الكبير على حقل الشيبة في العُمق السعودي ماذا يعني وما هي دلالاته؟
المشهد الجنوبي الأول – رأي اليوم
الهُجوم الذي شنّته عشر طائرات مُسيّرة تابعة لحركة “أنصار الله” اليمنيّة الحوثيّة على حقل الشيبة ومِصفاته التّابعة لشركة أرامكو العِملاقة، يُعتَبر التطوّر الأهم في الحرب اليمنيّة مُنذ إشعال التّحالف السعودي الإماراتي لفتيل هذه الحرب في شهر آذار (مارس) عام 2015.
من المُفارقة أنّ هذا الحقل والشّريط التّرابي شرقه الذي يمتَد حواليّ 40 كم على طُول الخليج جنوب خور العديد القطري، موضِع نزاع بين الشّريكين الرّئيسيين في التّحالف، أيّ الإمارات والسعوديّة، وعدّلت دولة الإمارات خرائط حُدودها رسميًّا عام 2007 بحيثُ تشمل مُلكيّة هذا الحقل الذي يُنتِج حاليًّا نِصف مليون برميل يوميًّا، ويُمكن أن يصِل إنتاجه إلى مليون و200 ألف برميل يوميًّا، ويملك احتياطي يُقدّر بحواليّ مِليار برميل، ولكن دولة الإمارات قرّرت تجميد هذا النّزاع، وفق النظريّة التي تقول “إنْ لم تستطع هزيمتهم انضَم إليهم”، ولو مُؤقّتًا، وهذه قصّة أُخرى.
خُطورة هذا الهُجوم تكمُن في عدّة جوانب يُمكن إيجازها في النّقاط التالية:
أوّلًا: أنّ هذا الهُجوم، مِثل الهُجوم الآخر الذي وقع في شهر أيّار (مايو) الماضي واستهدف مضخّات نفط لخط أنابيب شرق غرب السعوديّة بسبع طائرات مُسيّرة، يعكِس استراتيجيّة عسكريّة حوثيّة تُركّز على ضرب المصالح النفطيّة السعوديّة، العمود الفقري للاقتصاد السعودي، في إطارِ خطّةٍ استنزافيّةٍ للدولة السعوديّة بعيدة المدى.
ثانيًا: وصول هذه الطائرة لإمارة أبو ظبي على بُعد عدّة كيلومترات من ساحل الخليج، يعكِس تطوّرًا عسكريًّا لافتًا، واختراقًا أمنيًّا هو الأضخم من نوعه، فالسّؤال الذي تتداوله أوساط الخُبراء العسكريين، والأمنيين هو كيفيّة وصول هذا العَدد من الطائرات الحوثيّة المُسيّرة إلى هذا الحقل الاستراتيجي، وإشعال حريق فيه، وتعطيل إنتاجه بالتّالي، دون أن يتم رصدها والتصدّي لها وإسقاطها رغم إنفاق المملكة مِئات المِليارات لشِراء الرّادارات المُتطوّرة، ومنظومات صواريخ باتريوت الدفاعيّة.
ثالثًا: استهداف حقل الشيبة بالذّات المُتنازع عليه إماراتيًّا وسعوديًّا، ربّما أراد إيصال رسالة مُزدوجة للحليفين الرئيسيين للتّحالف في حرب اليمن، الأولى مُحاولة تفجير ما تبقّى من هذا التّحالف المُتضعضع، والثّاني مُحاولة إحداث شرخ في العلاقات بين الحَليفين، والانحياز إلى الجانب الإماراتي، أو مُكافأته على سحب قوّاته من اليمن، أو التّذكير بالنّزاع، وهذا أضعف الإيمان.
رابعًا: الرسالة الأهم الذي يُريد الحوثيون إرسالها من بين ثنايا هذا الهُجوم تقول إنّ من يصِل إلى حقل الشيبة وبطائرات مُسيّرة، يُمكن أن يصِل إلى الحُقول الأُخرى، مِثل حقل “الغوار” النّفطي السعودي العِملاق، الذي يُنتج حواليّ 5 ملايين برميل من النّفط يوميًّا، أيّ حواليّ نصف مجموع الإنتاج السعودي.
خامسًا: تحذير واضح وصريح لدولة الإمارات بأنّ مدينتيّ أبو ظبي ودبي يُمكن الوصول إليهما ومطاراتهما بسُهولةٍ إذا تراجعت عن سحب قوّاتها من اليمن وعادت إلى التحالف، وشارَكت وطائراتها في قصف المُدن اليمنيّة مُجدّدًا.
سادسًا: كان لافتًا أنّ مُعظم الغارات التي شنّتها حركة “أنصار الله” في العُمق السعودي، سواء في مُدن الحد الجنوبي في جازان ونجران وعسير ومطاراتها، تجنّبت إحداث خسائر في صُفوف المدنيين، على عكس غارات طائرات التحالف الإماراتي السعودي التي استَهدفت مُستشفيات ومدارس، وأسواق، ومجالس عزاء، وحفَلات زواج، وإذا وقعت خسائر بشريّة مثلما حدث في مطار أبها نتيجة قصفه بصاروخ مُجنّح، فإنّها حدَثت بالخطأ، وكانت مُعظمها إصابات طفيفة.
سابعًا: الحرب في اليمن التي كانت بطريق من اتّجاهٍ واحدٍ في سنواتها الأربَع الأولى، أيّ هجوم سعودي إماراتي على اليمن، باتت الآن طريقًا من اتّجاهين، ويبدو أنّ الاتّجاه اليمني المُعاكس سيكون الأوسع والأكثر زُحامًا في الأيُام والأشهر المُقبلة، إذا استمرّت الحرب بالنّظر إلى الهُجوم الحوثي الأخير على حقل الشيبة ومِصفاته ودقّته.
ثامنًا: لا يُمكن عزل هذه التطوُرات عن التوتّر الحالي بين إيران والولايات المتحدة في مضيق هرمز، رغم حِرص الجانب الحوثي على الفَصل المُطلق، فحركة “أنصار الله” وحُلفاؤها باتوا رُكنًا رئيسيًّا من أركان محور المُقاومة الذي تتزعّمه إيران، ويضُم سورية والعِراق وحزب الله في لبنان وحركتيّ حماس والجهاد الإسلامي في فِلسطين المحتلّة، ومِثل هذا الهُجوم سواءً كان له علاقة بالتّصعيد في مضيق هرمز، أم جاء بمعزلٍ عنه، وفي إطار الحرب اليمنيّة فقط، وردًّا على التحالف السعودي الإماراتي، سيُشكّل ورقة ضغط على السعوديّة وأمريكا تصُب نتائجها في مصلحة إيران وحُلفائها، ومصلحة المُطالبات بإنهاء الحرب اليمنيّة أيضًا.
اعتراف السيد خالد الفالح وزير الطاقة السعودي بوقوع هذا الهُجوم، والسيطرة على الحريق الذي نتَج عنه، يعكِس شفافيّةً سعوديّةً لا يُمكن نُكرانها، وإن كان السيد الفالح حاول التّقليل من الأضرار الماديُة، وهي فِعلًا قليلة بالمُقارنة مع الأضرار المعنويّة والنفسيّة، وانعِكاساتها على الداخل السعودي الذي بات يضيق ذرعًا بهذه الحرب، ويتساءل عن أسباب استمرارها طالما تعذّر حسمها عسكريًّا.
تطوّرات حرب اليمن، سواء العسكريّة أو السياسيّة منها، بما في الانسحاب الإماراتي، ونجاح قوّات المجلس الانتقالي الجنوبي في الاستيلاء على قصر المعاشيق، ومُعظم المراكز العسكريّة لقوّات “الشرعيّة” وطرد وزرائها، تُؤكّد أنّ الخِيارات السعوديّة بالاستمرار، وحسم هذه الحرب لصالحها، باتت محدودةً، إن لم تكُن معدومةً، الأمر الذي يتطلّب مُراجعات فوريّة تقود إلى قرارٍ سريعٍ بالانسحاب تقليصًا للخسائر، والحِوار مع حركة “أنصار الله” الحوثيّة على غِرار ما فعلت، وتفعل أمريكا، الدولة العُظمى حاليًّا بالتّفاوض مع حركة طالبان للتوصّل إلى اتّفاق يُنقِذ ماء وجهها، ويسمَح بخُروج قوّاتها من أفغانستان.
فهل نرى وفدًا سعوديًّا يشُد الرّحال إلى طِهران على غِرار الوفد الأمني الإماراتي في الأيّامِ القليلةِ المُقبِلة؟ لا نستبعِد ذلك.