ربع قرن وكل أيام الجنوب 7 يوليو
د. عيدروس النقيب
مضى ربع قرن على ذلك اليوم البغيض الذي سقطت فيه الجنوب بأيدي تحالف 7/7 الذي فعل بالجنوب وأهله وأرضه وتاريخه وثروته وهويته وثقافته ما لم يفعله أي غزو بأي شعب وأي أرض.
ليس في الأمر مبالغة ولا تضخيم أو تهويل، فالقضية صارت معروفة لكل ذي عينين ومعنرف بها حتى من قبل الفاعلين، فبعد هذا اليوم المشؤوم بدأت رحلة التراجع نحو أزمنة التراجع وقرون التحلل والانهيار وهو ما أقر بمظاهره الغزاه أنفسهم وبعض من يناصرهم، وأن قدموه بمسحة من الاجتزاء والابتسار والتسطيح.
لن أخوض في تفاصيل ما بعد هذا اليوم الأسود، فتفاصيله يعرفها القاصي والداني في الجنوب والشمال، لكنني أشير إلى جزئية تتعلق بذلك الصدع الذي عاشه الجنوبيون خلال ما يقارب نصف هذه الفترة، وأعني هنا ما قبل 7/7/2007م، قبل اندلاع ثورة الجنوب السلمية التي أحدثت ذلك الانقلاب في الوعي والنفسية الجنوبية باتجاه الكشف عما تحت السطح من تفاعلات وانفعالات ظلت حبيسة الصدور والمهج.
صحيح أن الشعب الجنوبي لم يستكن لحالة الاستلاب ومحاولات مصادرة الوعي ونشر ثقافة الاستسلام والخنوع منذ اليوم الأول للنكسة، بيد إن الفعل المعبر عن هذه الحالة ظل فرديا وجزئيا ومتباعداً ومفتقدا للدعم والإسناد الجماهيري العريض.
ولعل اندلاع الثورة السلمية المجيدة وانطلاق الحراك الشعبي السلمي في العام 2007م قد قلب المعادلة السياسية وتحولت الطاقة الكامنة لدى الشعب الجنوبي من مخزون متوقف عن الفعل إلى فعل متأجج فَعًلً ما فَعَل من التغيير العاصف في المزاج الشعبي الجنوبي، وطرد من نفوس الجماهير مخزون الخوف الذي هيمن على مشاعرهم نحو عقد ويزيد وبدأت حالة التبلور في هذا الفعل العفوي السائل غير المؤطر وغير المنظم باتجاه رسم ملامح جديدة لمستقبل موقع الجنوب في المعادلة السياسية على الساحة اليمنية، بين المستنكرين لوجود مسمى للجنوب ناهيك عن مكانة مستحقة مميزة للجنوب والجنوبيين في قادم الأزمنة .
لقد عاش الجنوبيون والجنوبيات زمنا صعبا قلما تكرر في تاريخ الغزو والاحتلال، ومع ذلك وبرغم مرور ما يقارب أربعة أعوام على دحر غزاة 1994م ووكلائهم وغزاة 2015م وشركائهم من الأرض الجنوبية فإن آثار 7/7 ما تزال ماثلة للعيان بل إن الغزو الثاني الذي شارك فيه عتاة الغزو الأول قد ضاعف من آثار الغزو الأول وجعل من إزالتها تحدياً مركّباً ينتصب أمام هذا الجيل والأجيال اللاحقة
بقاء الاثار المدمرة والهدامة للغزوين الأول والثاني يجعل من 7/7 نقشاً أسودَ لا يمكن أن ينمحي من ذاكرة الأجيال مهما تقادمت الأزمنة ومهما توقف المنتصرون عن الاحتفاء بنصرهم الموهوم.
اما ضحايا ٧/٧ فمهما مرت السنوات وحتى لو عولجت الآثار المادية لذلك التاريخ المشؤوم فإنهم ذاكرتهم وذاكرة أبنائهم وأحفادهم ستظل مسكونهم بآلام ومرارات ما بعده من المآسي.