المهرة .. بين مطرقة المملكة وسندان السلطنة

المشهد الجنوبي الأول ــ متابعات خاصه

التنافس بين سلطنة عمان والسعودية يبلغ ذروته في المهرة، ويكاد يحول المحافظة، التي تدثرت بالهدوء لعقود، إلى بركان قابل للاشتعال، لكن هذ الصراع الذي يتخذ أشكالاً متعددة، قد يقود المجتمع إلى بوتقة التمزق اجتماعيا وسياسيا، مما قد يلقي بظلاله على مستقبل المحافظة، التي تمسكت بوحدويتها وناضلت في سبيل الابتعاد عن الصراعات المحلية.

عُمان التي تعد المهرة عمقها الاستراتيجي بحكم الجوار، بدأت بعد عام 1990 تحركات مكثفة لبناء علاقات وطيدة مع الأهالي، بعيدا عن السلطة المركزية، فعمدت إلى تسهيل دخول المهريين دون غيرهم من اليمنيين، وجنست أرباب النفوذ القبلي والسياسي، ومع أن ذلك حفظ للسلطنة أمنها واستقرارها عند الحدود الغربية، إلا أن المهرة تحولت، مع الوقت، إلى سوق للعمانيين ليس على مستوى التجارة بل أيضا كسوق للنخاسة، فالبعض يروي هنا قصصاً مأساوية عن زواج عمانيين من مهريات تحول إلى استعباد، لكن وخلافا للسلطنة بدأت المملكة مبكرا التحرك عسكريا عند الحدود الجنوبية الغربية للمحافظة، لتبتلع حينها آلاف الكيلو مترات من الأراضي، بينما كان الرفاق يتناحرون في عدن بالهوية، وبعدها حرب التسعينات، لتستغل السعودية حينها انقسام المجتمع الجنوبي وتدفع بقادتهم، الباحثين عن سند، نحو اتفاقية حدودية ضمنت لها الوصول إلى قرية الخنجر، كآخر نقطة في صحراء الربع الخالي يحول سكانها دون تقدم القوات السعودية، مع أن المملكة عرضت عليهم امتيازات لا تعد ولا تحصى.

اليوم، ومع انقسام المجتمع بشكل عام، بفعل الحرب التي قادتها السعودية في 2015، برزت المهرة كأحد أهم مناطق الصراع الإقليمي في اليمن، لاعتبارات جيوسياسية، فموقعها على بحر العرب – في ظل فراغ السلطة هناك – جذب أطماع السعودية التي تسعى أيضا لمراقبة الحركة عند سواحل عمان المحاذية والقريبة من الأراضي الإيرانية، فالرياض التي كانت أبرمت بمعية دول الخليج اتفاقاً لمد أنبوب للنفط عبر سلطنة عمان، باتت ترى في المهرة مخرجاً آخر لأنبوبها، لاسيما وأن مقومات مد الأنبوب عبر أراضي المهرة قد لا يكلف الكثير، نظرا لفراغ السلطة هناك وقبضة الرياض على مفاصل الدولة، ناهيك عن أن ضبابية موقف عمان ورفضها الانخراط في التحالف، كان سبباً آخر للرياض لتغير خطتها، التي كانت ستدر المليارات على السلطنة، غير أن هذه التحولات الكبيرة قد تقود المهرة بسكانها إلى دوامة صراع لا تنتهي، بدأت ملامحها تتشكل عام 2017، عندما أرسلت السعودية أولى وحداتها العسكرية إلى الغيظة لتستولي فجأة على كافة المنافذ برا وبحرا وجوا، شرعت بعدها بالمرحلة الثانية المتمثلة بتقليم أظافر السلطنة في المحافظة، فأقالت المحافظ باكدادة، الذي يحمل الجنسية العمانية منذ عام تسعين، وتبعته بقيادات أخرى في الأمن وحتى على مستوى وكلاء المحافظة، وصولاً إلى ترحيل الوحدات العسكرية المرابطة هناك، خشية ارتباطها بالسلطنة،

ومع أن الأخيرة تتحاشى الدخول في مواجهة مع السعودية إلا أنها لم تقف مكتوفة الأيدي، فمع دخول التحالف إلى اليمن اتخذت أكبر خطوة في تاريخها تمثلت بإعادة نجل آخر سلاطين المهرة، احمد عيسى بن عفرار، ودفعته لتشكيل مجلس أبناء سقطرى والمهرة، وهذا المجلس كان ولا يزال الشوكة في حلق التحالف، لكن السلطنة التي باتت تدرك الخطر القادم، دفعت بأوراق أخرى محدثة اختراقاً لحكومة هادي، التي أمر سلطانها بتجنيس العشرات من أسر مسئوليها، أبرزهم مستشار هادي، حيدر العطاس، أضف إلى ذلك حفاظها على علاقة وطيدة مع قيادات في الحراك الجنوبي بما فيها علي سالم البيض.

قبل 2018، ظل الصراع بين الطرفين خفياً وعلى مستوى التهيئة، لكن منذ العام الماضي، بدأ الصراع يطفو على السطح مع دخول السعودية في مصادمة مع الأهالي الرافضين لعسكرة الحياة في المحافظة، التي يعتمد غالبية سكانها على الزراعة والصيد، بتحويل ساحلها إلى ميناء نفطي، ومناطق رعيهم إلى ثكنات ومعسكرات، حينها وجدت السلطنة ضالتها في مقارعة الرياض، لتتحول التظاهرات السلمية التي بدأت بمطالب حقوقية، إلى مواجهات مسلحة عند الحدود العمانية، وتحديدا في مديرية شحن، عندما اعترض مسلحون قبليون شاحنات سعودية ومنعوها من المرور بعد اشتباكات مع أطقم لفصائل موالية للسعودية، لكن الرد السعودي لم يتأخر، فبعد أيام اعتقلت القوات الموالية للسعودية مواطناً عمانياً واتهمته بتهريب الأسلحة إلى المهرة، وهذه الحادثة لقيت استنكاراً كبيراً في أوساط شخصيات باتت تتبوأ مناصب قيادية في لجنة الاعتصامات، وعمدت الاستخبارات السعودية مؤخرا إلى نشر صور تجمعهم بمعية ضباط استخبارات عمانية في أحد فنادق مسقط.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com