هكذا يُستدرج مقاتلون يمنيون للموت دفاعا عن الحدود السعودية…
المشهد االجنوبي الأول ــ متابعات
فوجئ العشريني اليمني جمال عبدالحق، أثناء إبرازه هويته العسكرية للتفتيش داخل إحدى النقاط الأمنية في محافظة مأرب، بأن بطاقته التعريفية وهمية ولا علاقة لها بكتائب الجيش الوطني، إذ إنها غير مسجلة لدى الحكومة الشرعية رغم أنه قاتل لصالحها ضد قوات الحوثيين لثلاثة أشهر في كتيبة مرابطة على جبهة “القفل” السعودية التابعة لمحافظة صامطة المحاذية للأراضي اليمنية من جهتي الجنوب والشرق. قرر عبدالحق العودة إلى دياره في محافظة تعز ليكتشف أن سمساراً يعمل لصالح السعودية استقطبه وآخرين من بلدته حين كانوا يعانون من البطالة، كما قال لـ”العربي الجديد”، مضيفاً أنه “يُعتبر محظوظاً لعودته سالماً إلى دياره”، على نقيض عبدالناصر هزاع الذي كان عمره 21 عاماً حين قتل في جبهة حرض على الحدود السعودية اليمنية في منتصف العام 2018.*
*يمنيون يفقدون أرواحهم دفاعاً عن السعودية*
*إلى جانب حالتي عبدالحق وهزاع، وثّق مُعد التحقيق قتل عشرة شبان من عزلة (مجموعة قرى) بلاد الوافي في مديرية جبل حبشي في محافظة تعز، استقطبهم سماسرة للقتال في جبهات تقع على الحدود السعودية-اليمنية (أصغرهم عمره 18 عاماً وأكبرهم 25 عاماً) في الحرب ضد الحوثيين منذ مارس/آذار 2015، بعضهم لم تعد جثته إلى قريته مثل هزاع والذي أرسلت جثته ضمن 300 قتيل آخرين عادت نعوشهم من الحدود السعودية إلى محافظة مأرب رغم أنه من تعز، خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني وديسمبر/كانون الأول 2018 بحسب بيانات مكتب وزارة الصحة العامة والسكان في المحافظة، وتأكيد قائد عسكري ضمن قوات الشرعية (فضل عدم الكشف عن اسمه ورتبته حرصاً على سلامته الشخصية)، مشيراً إلى دفن بعض اليمنيين في المملكة ممن يقاتلون على الجبهات الحدودية وداخل السعودية لمؤازرة قواتها التي تسعى لتطويق الحوثيين في المحافظات الشمالية (صعدة والجوف وحجة الحدودية)، كما كشف لـ”العربي الجديد”، فيما يقدر مصدر آخر برتبة عقيد في جيش الحكومة اليمنية من محافظة تعز، عدد من قتلوا من أبناء المحافظة دفاعاً عن الحدود السعودية منذ بداية الحرب وحتى أكتوبر 2018 بـ1245 شاباً.
*وتؤكد نسيم العديني، وهي رئيسة منظمة حبي لها (مؤسسة مجتمع مدني تنشط في المجال الإنساني) التي تواصلت مع شبان مصابين بعد عودتهم من جبهات القتال في الحدود السعودية، أنها وثقت عبر إفادات وجود جثث في ثلاجات المستشفيات السعودية، لمقاتلين أغلبهم من محافظات تعز وإب ولحج كما تقول لـ”العربي الجديد”، مضيفة أنها “رصدت ووثقت عبر صفحات الفيسبوك 150 قتيلاً يمنياً نعاهم ذووهم بعد استشهادهم في جبهات القتال على الحدود السعودية-اليمنية حتى نهاية 2018” على حد تعبيرها.*
كيف تتم عملية استقطاب الشباب؟
ينشط سماسرة في مديريات جبل حبشي وصبر وشرعب والمعافر في محافظتي تعز (جنوب غرب)، وحجة (غرب) الحدودية مع السعودية لاستقطاب الشباب العاطلين عن العمل أو من لا يتسلمون رواتبهم للانضمام إلى ألوية عسكرية “وهمية” تقاتل على الحدود السعودية-اليمنية، بشكل تكون تلك الفرق غير منتمية إلى الجيش الوطني التابع للحكومة اليمنية الشرعية بحسب ما وثقه معد التحقيق عبر إفادات خمسة شبان ذهبوا للقتال في السعودية عن طريق السماسرة، ومنهم العشريني سماح الصبري، (كان يقاتل في صفوف المقاومة في مدينة تعز من دون أن يتسلم راتباً شهرياً) والذي عرضت عليه المشاركة في الحرب على الحدود مقابل الحصول على 700 ريال سعودي شهرياً (حوالي 180 دولاراً أميركياً أو 105 آلاف ريال يمني).*
وبعد موافقته، نقل إلى منفذ الوديعة على الحدود السعودية، ثم تم إرساله مع آخرين إلى جبهة القفل السعودية، وهو ما حدث مع العشريني أبوبكر البريهي، الذي رفض نصائح بعض أصدقائه بعدم الذهاب إلى جبهة علب (شمالي صعدة) الحدودية للقتال مع القوات السعودية مقابل 2000 ريال سعودي (نحو 533 دولاراً) شهرياً، لكنه عاد إلى منطقته في جبل حبشي بعد اكتشافه أنه جرى خداعه عبر بطاقة عسكرية وهمية غير مسجلة لدى الحكومة الشرعية، وهو ما يؤكده العميد عبدالعزيز المجيدي قائد اللواء 170 دفاع جوي من محافظة تعز، واصفاً ما يحدث من سمسرة بأرواح الشباب بأنه “اتجار بالبشر”، قائلا لـ”العربي الجديد” إن أي جندي يهرب من جبهات القتال في تعز للحاق بالتجنيد مع جهة أخرى خارج إطار الجيش الوطني يتم فصله واستبداله بغيره، وسبق أن أهابت السلطات العسكرية والأمنية بمحافظة تعز في بلاغ صحافي نشر على صفحة المركز الإعلامي لمحور تعز على موقع “الفيسبوك” في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بالمواطنين الإبلاغ عن أي عمليات تجنيد تحصل خارج إطار الجيش الوطني، وعن القائمين عليها، كونها جريمة يعاقب عليها القانون”.*
*وبحسب ما جاء في البلاغ الصحافي لقادة محور تعز، فإن “جهات مشبوهة وغير معروفة، دأبت في الآونة الأخيرة على القيام بعملية تجنيد عسكري خارج إطار مؤسستي الجيش والأمن”.*
سماسرة تعز
وثق معد التحقيق عبر إفادات المقاتلين العائدين نشاط 4 سماسرة منهم محمد عبده، وينشط في مديرية المسراخ (ضمن منطقة صبر جنوبي تعز)، ووليد الذبحاني الذي كان يقاتل في اللواء 151 في جبهة البقع ويعمل في مدينة التربة جنوبي تعز وهشام عبد الله الذي قاتل في جبهة البقع منذ بداية العام 2016 ويعمل في مدينة تعز، وخالد سلطان الذي قاتل في جبهة حرض منتصف العام 2015 وينشط في الجبزية بمديرية المعافر وقد تم استدراجه من قبل معد التحقيق، متظاهراً بأنه يريد التجنيد في إحدى جبهات القتال في الحدود السعودية. حينها أبدى سلطان استعداده لتجنيده، وسأله عن عمره، وعما إذا كان سبق له أن بصم سابقاً في منفذ الوديعة (إجراء أمني يسبق الترحيل من السعودية) وعما إذا كان عسكرياً يتسلم راتبه من قوات الشرعية في اليمن (بعضهم يهرب من الجبهات اليمنية إلى القتال من أجل السعودية بسبب الراتب)، على أن يتم الاتفاق لاحقاً على الكيفية التي سيسافر فيها إلى منفذ الوديعة حيث سيكون باستقباله السمسار الشدادي.
ويتعامل السماسرة مع قادة الألوية العسكرية اليمنية المنتشرة على طوال الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية، المرتبطين بشكل مباشر بالقيادة العسكرية السعودية، مقابل حصولهم على مبالغ مالية، مقدرة بألف ريال سعودي عن كل فرد يتم جلبه للقتال، بالإضافة إلى مصاريف أخرى كالتنقل والاتصالات، مع وعود للسماسرة بتنصيبهم قادة ألوية بحسب تأكيد نسيم العديني، وهو ما وثقه معد التحقيق عبر حالة السمسار شماخ القيسي الذي يستقطب شباب مدينة تعز، وينقلهم إلى منفذ الوديعة الرابط بين شرق اليمن والسعودية قبل إلحاقهم بجبهات القتال، بعد تجميعهم في تبة الوكيل بحي الروضة، وحيي صينة والضبوعة في مدينة تعز، بباصات أجرة إلى منفذ الوديعة بحسب العديني التي حاولت تقديم نصائح لمجموعة من المغادرين في تبة الوكيل بعدم المغادرة للقتال مع السعودية كما تقول، مضيفة أن الشباب الذين يذهبون إلى الحدود لا يدركون أنهم “مرتزقة” ما داموا ذهبوا بصفة غير رسمية من الجيش اليمني، كما تقول.*
100 ألف فرد غير نظامي
*تضم الألوية المقاتلة في اليمن 100 ألف فرد غير نظامي مدعومين من التحالف، وتتألف هذه الألوية من فرق تسيطر عليها جماعات غالباً ما تكون من أبناء القرية الواحدة، أو حتى العائلة الواحدة، بحسب ما وثقه تقرير الخبراء المعني باليمن الصادر في يناير/كانون الثاني 2019، موضحاً أن الوثائق الرسمية تشير إلى وجود 136 ألف فرد من قوات الجيش الوطني وقوات الأمن الوطنية المتمركزة في محافظات الضالع والجوف والبيضاء والمهرة وحضرموت وحجة واب ومأرب وصنعاء وشبوة وتعز. ويتم منح بطاقات تعريفية لمنتسبي الألوية العسكرية الوهمية من المجموعة التي يقاتلون فيها من دون تسجيلهم في سجلات وكشوفات وزارة الدفاع اليمنية، بينما الألوية العسكرية ترتبط مباشرة بوزارة الدفاع اليمنية وتعمل تحت إمرتها وتحصل على البطاقات ويتم تسجيل مقاتليها في كشوفات الوزارة وفق ما وثقه معد التحقيق الذي حصل على بطاقات تعريفية عسكرية وهمية، ومنها بطاقة الجندي أديب أحمد الكحلاني رقم (3136) التي صدرت بتاريخ 8 أغسطس/آب 2018 وتنتهي بتاريخ 8 أغسطس 2020.*
وتتوزع جبهات الحدود القتالية على مناطق البقع (المنفذ الحدودي البري مع السعودية)، وباقم، ورازح، والظاهر والملاحيظ، وكتاف وحرض (منفذ حدودي مع السعودية) وميدي وعلب وفق مصادر التحقيق.*
*وتم تشكيل تسعة ألوية وهمية مرتبطة بالقيادة العسكرية السعودية، للقتال على حدودها مع اليمن، (عدد مقاتلي اللواء الواحد في الجيش النظامي يقدّر بثلاثة آلاف فرد)، وهو ما أكدته نسيم العديني، مشيرة إلى أن مصدرا قبليا بارزا طالب السعوديين بإعادة 3 آلاف شاب يمني من تعز يقاتلون على الحدود للدفاع عن محافظتهم خلال نهاية عام 2018.*
*وتقوم هذه الألوية بتحرير وحماية المناطق، أو الجبهات التي كُلفت بها. وبمجرد إنجاز المهمة، يتم حلها ونقلها إلى أماكن أخرى، أو ترحيلها، وهو ما حدث مع العشريني أصيل عبدالله فاضل العليمي الذي قاتل في جبهة باقم في صعدة برتبة مساعد ضمن قوات اللواء 102 خاصة. يقول العليمي لـ”العربي الجديد”: “استغلونا في ألوية وهمية وكانوا يعطوننا أرقاماً عسكرية وهمية وبعد أن تنتهي مهمة الجنود يتم ترحيلهم من السعودية بعد التبصيم في منفذ الوديعة كأننا دخلنا بالتهريب”. وأضاف العليمي لـ”العربي الجديد”: “حررنا معظم المناطق الحدودية حتى وصلنا إلى أولى قرى باقم وآل صبحان والمناطق المشرفة على باقم بمحافظة صعدة (شمال)، ثم تم ترحيلنا بعد أن استغلونا بالأجر اليومي فقط والأسماء الأولية الوهمية عديدة مثل الفاروق والمختار”.*
*وهو ما يوضحه العميد الركن، عدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع التابع للمنطقة العسكرية الرابعة، لـ”العربي الجديد”، قائلا: “هذا الأمر جزء من ظاهرة السمسرة بأرواح شباب اليمن، والتي يقوم بها مندوبو التحالف (مقاتلون عاديون يعودون إلى بلادهم ثم يتولون تجنيد غيرهم لمصلحة القوات السعودية)، من دون العودة إلى القيادة الشرعية، حتى يتم منحهم أرقاماً عسكرية حقيقية، وبالتالي لا يعدّون ضمن صفوف الجيش الوطني”.*
*ويرد السماسرة على أهالي المقاتلين ممن يسألون عن أبنائهم الموجودين على جبهات القتال بادعاء إرسال بياناتهم العسكرية (الوهمية) إلى الجبهات المجاورة للسؤال عنهم، بحسب العميد الحمادي، الذي أبدى استياءه من الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير، كما يقول، مضيفا أن الشباب تركوا جبهة تعز وذهبوا إلى البقع بحثا عن المال.*
*لكن الناشطة نسيم العديني تؤكد أنها تواصلت مع هيئة أركان الجيش اليمني وقيادة محاور تعز وأبلغتهم باستقطاب الشباب من قرى تعز ومن جبهاتها أيضا من قبل سماسرة مرتبطين بالقيادة العسكرية على الحدود، لكنهم كما تقول لم يهتموا بذلك، وفقط أصدرت قيادة محور تعز وإدارة أمن شرطة المحافظة، بالتحذير من أي تجنيد خارج إطار المؤسستين العسكرية والأمنية، كونها تأتي خارج إطار الشرعية.*
*جثث لم تعُد إلى موطنها*
*يؤكد مصدر عسكري في مأرب (رفض الكشف عن اسمه حرصاً على سلامته الشخصية) أن القتلى الذين تصل جثامينهم إلى محافظة مأرب يدفنون فيها، ولا يعودون إلى مناطقهم. ويضيف في حديث لـ”العربي الجديد” أن “الجرحى يخضعون للعلاج في مشافي المناطق السعودية المتاخمة للحدود اليمنية، ومنها مستشفيات الملك خالد، ونجران العام وشرورة”، في نجران. ويلفت المصدر العسكري من مأرب إلى أن ذوي القتلى يحصلون على تعويضات بعد الحصول على وكالة الوالدين لشخص ما باستلام المبلغ، إذ يصل تعويض القتيل إلى 20 ألف ريال سعودي (نحو 5300 دولار)، وتعويض الجريح بعد أن يتم علاجه في مشافي السعودية 5 آلاف ريال سعودي (1300 دولار تقريباً)، وهو ما يؤكده الثلاثيني باسم صالح (اسم مستعار بناءً على طلبه) الذي جُرح في منطقة البقع الحدودية عندما كان يتابع استلام جثمان شقيقه (الذي قُتل في جبهة البقع)، وخضع للعلاج في مستشفى الملك خالد، قبل أن يحصل على خمسة آلاف ريال سعودي كتعويض كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفاً أن المستشفى الذي عولج فيه كان يستقبل قتلى يمنيين بشكل يومي. والدة “باسم” لا تزال تتحسر على ابنها الذي قُتل على الحدود السعودية حتى اليوم، رغم مرور أكثر من نصف العام على مقتله كما تقول لـ”العربي الجديد”، مضيفة أنها نصحته أكثر من مرة بعدم الذهاب للقتال على الحدود السعودية، لكنه رفض وبقي هناك حتى قتل.*
*مروان الغفوري