الخلفية الثقافية التي تقف وراء تركيز الإعلام العربي على رئيسة كرواتيا في مونديال روسيا ..؟
المشهد الجنوبي الأول / متابعات
كان ظهور كوليندا غرابار رئيسة كرواتيا في منديال روسيا هذا العام ملفتا للأنظار في وسائل الإعلام والتواصل الأجتماعي العربي بصورة عامة. فقد اشتعلت وسائل الأعلام بصورها واخبارها ومتابعة تواجدها في المنديال والبحث عن تاريخها وشخصيتها . أذ غطت معظم وسائل الأعلام اخبار تواجدها في المنديال والحديث عن بلدها وحُسن إدارتها له .. تم تناول ونشر صورها بلباس فريق منتخب بلدها وتواجدها بين الجمهور كـ مشجعة لفريق دولتها، حيث كان دخولها غرفة تبديل الملابس مع فريق دولتها والعناق معهم قد أثار حفيظة الكثيرون من المشاهدين في مجتمعاتنا العربية!!
لم يكون ذلك الاهتمام والتناول الاخبار ونشر الصور وتشجيع منتخب كرواتيا، إلا لأنه يحمل عدد من الدلالات الثقافية والنفسية في الذهنية العربية، المثقلة برواسب القهر والحرمان العاطفي والسياسي، فالعقل العربي الجمعي الذي يضع المرأة في درجة دونية كان مستغرباً بوجود امرأة رئيسة دولة تقف بهذه الصورة مع شباب منتخب بلدها. لاسيما ونحن العرب نعاني من القهر والظلم الذي يمارسه رؤسائنا علينا.
يقف العربي المشاهد للرئيسة كرواتيا التي وصل منتخب بلدها إلى المنافسة النهائية على كأس العالم والذي ادهش العالم بادائه الكروي المتميز . يستحضر العربي في هذه الاثناء مستوى المنتخبات العربية من ناحية، و الروؤساء العرب بالمقارنة مع منتخب ورئيسة هذه البلد الصغيرة …؟؟ التي اشيع صيتها بسبب نجاحها في إدارة البلد ، انقذت بلدها من الديون الخارجية ونقلته إلى الفائض المالي ، عملت على تحسين ظروف حياة مواطنيها، حاربة الفساد وعززت من ثقافة الانتماء للوطن، وذلك في زمن قياسي قصير …
بينما الإنسان العربي يعيش حالة من القهر الاجتماعي والسياسي الذي مارسه الرؤساء العرب على مواطنيهم وجعلوهم يعيشون حالة من التمزق والتذمر والفقر ..
لم ينجح الزعماء والحكام والرؤساء العرب في تحسين مستوى معيشة مواطنيهم ، بل تسببوا في تخلف بلدانهم كثيرا ففي عهدهم دُمر التعليم وبددوا ثروات بلدانهم ومارسوا الاستبداد والتسلط وهدر كرامة الأنسان ،استحوذوا هم وابنائهم وانسبائهم وحاشيتهم على المناصب والمال العام وتملكوا القصور الفخمة واغتنوا احدث السيارات والطائرات الرئاسية واليخوت الفارهة، والعقارات والشركات، وتمتعوا بالرحلات المكلفة. استحوذوا على السلطة دون كفاءات ترهلهم لذلك …
بينما الرئيسة الكرواتية كانت تحصل على المرتبه الأولى في دراستها، وتمتلك شهادة الماجستير في العلوم السياسية بامتياز، وهنا نتساءل هل يوجد أي حاكم عربي كان الاول في دراسته وحاصل على شهادة مرموقة من جامعة دولية محايدة معترف بها؟ وهل تعلمون ان الرئيسة الكرواتية تتحدث سبع لغات في حين لا يتقن عدد كبير من الحكام العرب لغة واحدة اضافية، ناهيك عن البعض منهم الذين لا يتقن لغته العربية الاصل؟؟!!!
وهل تعلمون ان الرئيسة الكرواتية اثبتت كفاءة دولية من خلال تبوأها لمناصب عديدة مرموقة في موؤسسات دولية خارج بلادها قبل ان تصبح رئيسة لبلادها، فهل من حاكم عربي تبوئ منصب دولي بالمنافسة وفقا لمعايير الكفاءة؟
هل تعلمون ان الرئيسة الكرواتية أخذت إجازة رسمية من عملها من اجازاتها الشخصية المحددة في القانون، وسافرت على حسابها لحضور المونديال بطائرة تجارية وبالدرجة السياحية، وقد اقدمت من سابق على بيع الطائرة الرئاسية واودعة ثمنها في خزينة الدولة … بينما كلنا نعرف كيف يسافر الحكام العرب وعوائلهم ومصادر تلك الاموال التي ينفقوها ؟
هل تعلمون ان الرئيسة الكرواتية فازت بالانتخابات الرئاسية بسبب كفائتها، في حين لم يستطع اي شعب عربي انتخاب رئيس الدولة أو رئيس مجلس نواب ناجح على أساس الكفاءة والنزاهة، بعيدا عن تدخل الاجهزة الأمنية والواجهات القبلية والعشائرية والطائفية والجهوية وسلطة المال ؟
لم تكن تلك الأسباب هي وحدها التي أثارة انتباه العرب ونشر صورها في وسائل التواصل الاجتماعي، بل هناك اسباب أخرى تتعلق بالذهنية العربية المكبوته والتي تنظر للمرأة نظرة جنسية سالبة. إذ لاحظنا تبادل ونشر صورها وهي في غرفة تبديل الملابس مع فريق بلدها مع التركيز في التعليق والحديث على عناقهم وهم عاريي الصدور باستهجان وبإيحاء جنسي نابع من عقد دفينة في الذهنية العربية..
فقد تبادلوا صور اخرى لها وهي بالمايوه على شاطئ البحر لإظهار مفاتنها الجسدية والتغني بجمالها.
إلاّ أنهم لم يتداولوا صورها وهي تدهن جدران منزلها بنفسها..هذا هو العقل العربي الجمعي الذي لا يعطي قيمة للعمل اليدوي.
الخلاصة:
نلاحظ ان الكثيرون قارونوا روؤسائهم بالرئيسة الكرواتية وتحسروا على اوضاعهم وتمنوا ان يكون لهم رئيس بهذه المميزات ..
هنيئا للكرواتيين برئيستهم. العار والخزي للمستوى الذي اوصلونا إليه رؤسنا العربى.
*- د. فضل الربيعي
أستاذ علم الاجتماع
رئيس مركز مدار للدراسات