الكتابة على الجدران بوادر لفوضى أمنية وتظاهرات شعبية تنتظرها عدن”تقرير”
عدن – ديبريفر – سامي الكاف
بدت الكتابة على جدران أحد المباني الحكومية في مديرية المنصورة بعدن جنوب اليمن، والتي تطالب برحيل ما أسمته بـ”الاستعمار الإماراتي” عن المدينة، مثار اهتمام لافت، إذ قامت قوات أمنية تموّلها دولة الإمارات العربية المتحدة في عدن بإلقاء القبض على مجموعة من الشباب يتقدمهم شاب يدعى وليد الإدريسي شقيق أحد قادة المقاومة الجنوبية الذي تم اغتياله مع عدد من رفاقه قبل نحو عامين من قبل مسلحين مجهولين.
اندلعت اشتباكات عنيفة في المدينة أُستخدم فيها أسلحة متوسطة وخفيفة مُسبّبة هلعاً بين أوساط المواطنين.
لم يكن فعل الكتابة على جدران المباني الحكومية في مديرية المنصورة الأسبوع الفائت، والتي تطالب برحيل ما أسمته الاستعمار الإماراتي، هو الأول من نوعه في عدن التي اتخذتها الحكومة الشرعية عاصمة مؤقتة للجمهورية اليمنية منذ بدأت الحرب فيها أواخر مارس 2015م، فقد سبقتها قبل ذلك كتابات مشابهة في مديرية دار سعد أيضاً.
تعيش عدن منذ “تحريرها” من الحوثيين أواخر يوليو 2015 حالة أمنية غير مستقرة وتنتشر حوادث اغتيالات طالت رجال دين ودعاة وعسكريين ومدنيين، كما طالت محافظها الأسبق جعفر محمد سعد.
وعلى الرغم من إعلان مدير أمن عدن شلال شائع إلقاء القبض على من أسماهم بـ”قتلة المحافظ” قبل نحو عامين إلا أن الوضع ظل على ما هو عليه.
تحاول الأجهزة الأمنية في عدن بذل جهودها للحد من حوادث الاغتيالات، لكن عدداً من هذه الاجهزة الأمنية لا يتلقى تعليماته من الحكومة اليمنية الشرعية، وتبدو مناطق عديدة فيها غير خاضعة لسيطرتها الفعلية في ظل انتشار السلاح مع الجميع على نحو لافت ومقلق.
أثناء قيام هذه الأجهزة الأمنية بعملها تحدث اعتقالات عديدة لا يعرف أحد مدى مشروعيتها القانونية وما مصير المعتقلين تالياً.
“كثير من هذه الاعتقالات تتم وفق اجراءات غير قانونية” وفق تأكيد ناشطين حقوقيين. و”لا يتم إحالة ملف المعتقلين في السجون إلى النيابات المختصة لاتخاذ الاجراءات القانونية لإحالتهم إلى القضاء” يقول أحد المحامين لـ”ديبريفر” فضّل عدم الكشف عن هويته لشعوره بعدم الأمان.
إنها إجراءات، وفق الصحفي والسياسي جمال حسن في حديثه لوكالة الأنباء “ديبريفر”، تعكس اجراءات القمع “التي يفرضها طرف يمسك بزمام المدينة، وهذا ما يشوه الحياة السياسية وينعكس سلباً من أجل تطبيع الأوضاع في المدينة باعتبارها أولاً عاصمة مؤقتة وأهم ميناء تجاري في البلد”.
مدرعات إماراتية في جنوب اليمن ومواطنون يرحبون بها
تواصل الإمارات عبر عدد من المنظمات التابعة لها عملها الانساني في عدن وغيرها من المحافظات منذ بدأت تدخلها العسكري كقوة رئيسة في التحالف العربي وكان لها اليد الطولى في تحرير عدن من الاجتياح الحوثي الذي طال المدينة. يتم النظر الى الأمر بمزيج من الشكر والتقدير.
لكن الأمر لم يعد كذلك في الفترة الأخيرة، ويتساءل عديدون: ما الذي تفعله الإمارات في جنوب اليمن؟.
اعتذر وكيل محافظة عدن محمد نصر شاذلي عن الإجابة على السؤال التالي: هل تعتقد أن الإمارات ما زالت ملتزمة بأهداف التحالف العربي في اليمن ولماذا؟. قال: “أعفنا من الرد لو تكرمت، أنا في فترة علاج الآن”.
لكن فترة العلاج هذه لم تمنع شاذلي من الكتابة بانتظام في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وهناك منشورات في صفحته تطالب بتعيينه محافظاً لمحافظة عدن.
ما زالت محافظة عدن بلا محافظ حتى الآن بعد استقالة المحافظ السابق عبدالعزيز المفلحي من منصبه منذ نحو عام.
تتعرض الأصوات الناقدة للإمارات الى اجراءات أخرى، يتم منع مسؤولين في الحكومة اليمنية ممن ينتقدون الإمارات، من العودة إلى عدن لممارسة أعمالهم، بينهم وزراء ونواب وزراء ووكلاء.
قبل ذلك تم منع هبوط طائرة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في مطار عدن. لم يعد أحد يتذكر متى كانت آخر مرة عاد فيها الرئيس هادي إلى المدينة.
الرئيس اليمني عبدربه هادي في إحدى زياراته إلى اليمن وفي استقباله قائد عسكري إماراتي
والمسؤول الثاني في الحكومة اليمنية الذي تحدث علناً عن كون الإمارات تمنعه من القيام بمهامه كوزير للداخلية، غادر عدن إلى أبوظبي، الأربعاء الفائت 30 مايو، في زيارة رسمية بناء على دعوة من دولة الإمارات.
ذكرت وسائل إعلام يمنية أن زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري ستبحث ملف توحيد الأجهزة الأمنية في اليمن. لكن ثمة تعتيم حيال الزيارة من قبل وسائل الإعلام في الإمارات.
حاولنا الحصول على تعليق من قبل مسؤول مهم في الحكومة اليمنية على سؤال: هل تعتقد أن الإمارات ما زالت ملتزمة بأهداف التحالف العربي في اليمن ولماذا؟، ومجدداً لم نحصل على رد.
الميسري وزير الداخلية اليمني
على مستوى الشارع، تصاعدت في الفترة الأخيرة وتيرة الرفض الشعبي ضد سياسات الإمارات في جنوب اليمن، خصوصاً في ظل قيام أجهزة أمنية باعتقالات واسعة – في كثير منها – تتم لأسباب غير معروفة.
يشير تقرير لمجموعة الأزمات الدولية كتبته خلال شهر مايو المنصرم، إبريل لونغلي آلي: “مدينة عدن مأخوذة رهينة في لعبة شد حبال متداخلة: هناك أنصار حكومة هادي من جهة، وخصومهم في المجلس الجنوبي المؤقت من جهة أخرى”.
ويضيف التقرير: “ثمة نزاع بين مصالح وطنية ومحلية متعارضة يسعى فيه الجميع للسيطرة على الموارد لكن ليس هناك قوة تحكم بشكل فعال”.
بدا الكثير من المواطنين يتساءلون عن حقيقة ما تفعله الإمارات في جنوب اليمن وما الهدف الأساس من وجودها ضمن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الذي أعلن انه يسعى الى استعادة شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وسلامة أراضي اليمن وأمنه ووحدته؟.
تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم وتمويل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يدعو إلى إقامة جمهورية الجنوب العربي الفيدرالية في جنوب اليمن، في هدف يتعارض تماماً مع هدف الإمارات من المشاركة في التحالف العربي.
وقفت الإمارات إلى صف المجلس الانتقالي الجنوبي حينما قام بمحاولة انقلاب عسكري ضد الحكومة اليمنية الشرعية خلال الفترة 28 – 30 يناير الفائت.
مرّت على المدينة أوقات عصيبة خلال تلك الأيام الدموية الثلاثة. سقط إثر محاولة الانقلاب العسكري التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي نحو 70 من القتلى وعدد من الجرحى. لم تنجح محاولة الإنقلاب، لكن الأوضاع المتأزمة في المدينة بقيت على حالها دون حل.
قوات إماراتية في عدن
لم تمض بضعة أشهر تالياً إلا ويحدث صدام إماراتي مباشر مع الحكومة اليمنية على أرض أخرى غير عدن.
قامت دولة الإمارات في 30 أبريل الفائت بفرض سيطرتها عسكرياً على ميناء ومطار جزيرة سقطرى، وبدأت وسائل الإعلام تتحدث عن احتلال عسكري.
تقع سقطرى في السياق الجغرافي لجنوب اليمن، وصارت محافظة مستقلة بقرار جمهوري من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وهي جزيرة في المحيط الهندي وتبعد أكثر من 300 كيلو متر جنوب سواحل محافظة حضرموت.
قال سفير الولايات المتحدة الأمريكية السابق لدى اليمن جيرالد فايرستين في تغريدة له على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أن “احتلال الامارات لجزيرة سقطرى مثير للجدل لأن لا أحد يفهم أسبابه”.
و أضاف فايرستين أنه “لا يوجد حوثيون أو قاعدة في سقطرى”، مؤكداً أن “القرار الأممي ٢٢١٦ يحمي سيادة اليمن ووحدة أراضيه وهذا ينطبق على الإمارات أيضاً”.
بعد نحو 15 يوماً من التدخل العسكري الإماراتي على أرض سقطرى اليمنية، وإثر تدخل سعودي، تسلمت قوات يمنية إدارة ميناء ومطار سقطرى بعد الاتفاق على انهاء الأزمة، وقام مسؤولون يمنيون بنشر صور الأعلام اليمنية فوق المقار الحكومية في سقطرى تأكيداً على انتهاء الأزمة.
وعشية الاتفاق على انهاء الأزمة كتب رئيس الحكومة اليمنية الدكتور أحمد بن دغر مقالاً عنونه بـ: “سقطرى أزمة وانتهت”، وهو وفق ناشطين سياسيين: “نصر للحكومة اليمنية ضد التدخل العسكري في سقطرى”.
قبل أكثر من قرن من الآن كان ثمة شباب في شوارع مدينة كريتر بعدن يقومون بفعل مشابه لفعل شباب المنصورة في الوقت الراهن.
كانت ثمة كتابات تنتشر على جدران عدد من المباني في عدن: “فليرحل الاستعمار البريطاني البغيض”، و”يسقط المحتل البريطاني”.
قامت بريطانيا في 19 يناير 1839م باحتلال عدن وخرجت منها في 30 نوفمبر 1967م إثر ثورة مسلحة بدأت في 14 أكتوبر 1963م.
جندي برطاني يعتقل احد المواطنين في عدن منتصف ستينيات القرن الماضي
مؤخراً، تجاوز الحدث الغاضب في المنصورة فعل الكتابة على جدران المباني الحكومية إلى ما هو أبعد من ذلك.
قام مجموعة من الشباب الغاضبين في المنصورة بالدوس بأقدامهم على صور عدد من قادة الإمارات وعلمها في أحد شوارع المنصورة وجعلوا عدداً من السيارات تمر فوق هذه الصور وتم بث مقاطع فيديو توثق للفعل.
بدا الفعل غير متوقع في نظر كثيرين، لكنه – على أية حال – وقع، وتم تداوله على نطاق واسع في وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي.
كان الشباب الغاضبون يرددون شعارات مثل: “لا للاحتلال الاماراتي لعدن”، و “فليرحل الاستعمار الإماراتي”.
أثارت عملية الاعتقال لهؤلاء الشباب ردود فعل غاضبة وصل بعضها حد التهديد بالتصعيد ما لم يتم الافراج عنهم، لكن منتمين إلى المجلس الانتقالي الجنوبي اعتبروا وليد الإدريسي ومن معه من الشباب “مجرد بلاطجة ومروجي مخدرات ولا علاقة لهم بالمقاومة الجنوبية أو بحركة 16 فبراير 2011م”.
بالنسبة إلى الصحفي والسياسي جمال حسن فهو “ليس الحدث الأول من نوعه، حيث تم تلفيق اتهامات لعدد كبير من الشباب لأسباب سياسية وهناك عشرات المعتقلين في السجون التي تديرها الامارات بإجراءات غير قانونية، كما ان هناك اتهامات جاهزة سواء بالانتماء للقاعدة او حتى التجريم السياسي باعتباره ينتمي لحزب معين، أو أي تهمة جنائية”.
بعد مرور أقل من 24 ساعة لاعتقاله، تم الافراج عن الشاب وليد الإدريسي فور تقديمه اعتذار للإمارات عما بدر منه. قال الإدريسي في مقطع فيديو قصير أن ما حدث كان نتيجة “الحماس الثوري”.
لكن ما قام به وليد الإدريسي ورفاقه وفق مسؤول كبير في دولة الإمارات لم يكن نتيجة “الحماس الثوري”، كان هو “فعل السفيه العاجز” وفق ما كتبه وزير الشئون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
الإدريسي خلال إطلاق سراحه
تولى المجلس الانتقالي الجنوبي اصدار بيان بشأن أحداث المنصورة. قال أن “ما حدث في المنصورة عمليات غير أخلاقية وغير قانونية تقوم بها أطراف في الشرعية واذا لم يتوقفوا سنقدم الأسماء والأدلة على تورطها في دعم الفوضى والتنظيمات الإرهابية”.
ما زال المجلس الانتقالي الجنوبي يبسط سيطرته على منزل محافظ عدن في مديرية التواهي فور إقالة عيدروس الزبيدي من منصبه كمحافظ في 27 أبريل 2017م.
حوّل المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، منزل محافظ عدن إلى مقر لممارسة نشاطه السياسي ويحظى بحراسة أمنية مشددة، ويدلو عدد من قادته بتصريحات علنية تؤكد سيطرتهم على عدن وعدة محافظات في جنوب اليمن.
يقول جمال حسن: “الكتابات على الجدران أو الدوس على صور، تجسيد لتصاعد أصوات مرتفعة تعارض سياسة الامارات في عدن والأطراف التابعة لها والتي تحكم قبضتها على المدينة. هناك غل يتنامى يجب الالتفات إليه وعدم تجاهله، لأن أي وضع مختل لن يقود إلا إلى مزيد من التذمر والانقسامات في المجتمع، حتى إذا كنت الطرف الأقوى عسكرياً”.
لا يهتم المجلس الانتقالي الجنوبي بوقوع المزيد من التذمر والانقسامات في المجتمع. يدعو عدد من قادته إلى فرض ما يسعون إليه بقوة السلاح، ويروّجون لمقولة: “من يفرض سيطرته على الأرض يحكم”.
يحاكون الشعار الأثير الذي كان يرفعه نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح أثناء فترة حكمه “الوحدة أو الموت”، بشعار مرادف: “الانفصال أو الموت”.
اعتاد نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك – ينتمي الى الجماعات السلفية – كتابة عدة تغريدات نزقة في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” وتثير جدلاً لا ينتهي. معظم هذه التغريدات التي يكتبها ترفع شعار “الانفصال أو الحرب”.
بعد إقالته من منصبه كوزير دولة من قبل الرئيس هادي وإحالته إلى التحقيق، يقضي السلفي هاني بن بريك بعض وقته في عدن وأكثره في أبوظبي عاصمة الإمارات التي تعلن في المحافل الدولية أنها مع استعادة الشرعية اليمنية وفق المرجعيات الثلاث التي يدعو إلى تحقيقها التحالف العربي في اليمن: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، مخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن الدولي 2216، لكنها تتصرف في جنوب اليمن على نحو مختلف.
كتب هاني بن بريك أخيراً: “من أجل إقامة دولة الجنوب والاستقلال الكامل سنبذل كل غال ونفيس على كل الأصعدة؛ حتى لا يتسلط علينا أحد كائن من كان، ومن عنده غير هذا الكلام من الجنوبيين فهو جنوبي لا يحمل القضية الجنوبية، مشروع ستة أقاليم أو إقليمين في دولة وحدة مع اليمن أمر مرفوض، إما الاستقلال وإلا فسبيل الجبهات”.
هاني بن بريك مع الرئيس اليمني عبدربه هادي
يقول الصحفي والسياسي جمال حسن: “الأمر معقد في ما يخص التزام الامارات بأهداف التحالف، أصبح الوضع يعكس صوراً متعددة ومتشابكة، اعتقد هناك هدف عام أو خطوط عريضة متفق فيها طرفا التحالف، بينما هناك مسارات تحاول فيها الإمارات دعم أطراف أو قوى تعمل معها. لكن الكارثة هو أن الوضع سيبقى مختلاً ويتعارض مع هدف التحالف المعلن، بعودة الحكومة وإنهاء تمرد سياسي”.