تقرير : واقعة مقتل الصمّاد وتداعياتها جنوباً
تقرير: صلاح السقلدي
بمقتل رئيس «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء صالح الصمّاد، يدخل الصراع باليمن فصلاً جديداً من التعقيد بوجه الجميع، يمنيين وخليجيين على السواء، وبمجمل الجوانب عسكرية وسياسية واقتصادية وإنسانية. ففي الوقت الذي يُعَدُّ مقتل الرّجُـل خسارة ليس فقط على حركة «أنصار الله» ولكن على مسيرة السلام باليمن وموضوع الحوار المنتظر، بحكم ما كان يمثله من قبول لدى كل القوى تقريباً بما فيها خصومه، وقلق على مصير المفاوضات المرتقبة، لمِا قد يشكله غياب الصمّاد عن المشهد السياسي من عرقلتها عبّـر عنه الأمين العام للأمم المتحدة عبر ممثله باليمن السيد مارتن جريفيت، بكلمة العزاء المرسلة لـ«الحوثيين» غداة مقتل الصمّاد.
هذا ناهيك عن تعقيد المشهد السياسي وبالشمال تحديداً، في وقت يسعى فيه «التحالف» ممثلاً بالسعودية والإمارات، على تهيئة الساحة السياسية لإحداث نوع من التوازن السياسي والعسكري مستقبلاً لئلا يستحوذ عليها حزب «الإصلاح» في ظل ضعف وغياب شبه كلي للقوى الأخرى ومنها «المؤتمر الشعبي العام» في حال تم هزيمة «أنصار الله» عسكرياً أو تقويض قوتها أو حتى في حالة الدخول معها بتسوية سياسية.يبدو الجنوب هو الخاسر الأبرز من تطورات الأوضاع على الساحة اليمنية
فمقتل الصمّاد، الذي قد يكون له تبعات ضعضعة الحركة عسكرياً قد يحمل هذه القوى و«الإصلاح» بالذات على الاندفاعة شمالاً دون التنسيق مع «التحالف» أو احتمال «إبرام صفقة» إصلاحية «حوثية» بتنسيق قطري إيراني، يُستهدفَ به «التحالف» خصوصاً أن «الإصلاح» في الآونة الأخيرة زاد من تبرّمه وشكوكه من نوايا «التحالف» باليمن، في وقت لم تتمكن فيه القوات الموالية لـ«المؤتمر» بقيادة العميد طارق صالح، المدعومة إماراتياً، من الظفر لها بموطئ قدم عسكري مهم على الأرض برغم المساندة الجنوبية المجانية التي يحظى بها وبأوامر إماراتية صريحة.
فبرغم الغبطة التي تتملّك «التحالف» بمقتل الصمّاد، بضربة جوية يعتقد أن طيران «التحالف» يقف خلفها، إلا أنه عزف حتى اللحظة عن الإفصاح عن مسؤوليته عنها خشية العتب الدولي على استهداف شخصية سياسية كان يمكن لها أن تكون عامل تقارب مع كل الأطراف في رحلة المفاوضات الشاقة، وفي وقت يتعرّض فيه «التحالف» في هذه الأيام لجملة من الإنتقادات الدولية الحادّة بسبب استهداف طائراته لقاعات وخيم الأعراس، راح ضحيتها العشرات من المدينيين.
في نوفمبر من العام الماضي أعلن «التحالف» عن قائمة 40 شخصية «حوثية» مطلوبين له، وخصّص ملايين الدولارات لمن يدلي بمعلومات عنهم، ومن هذه الشخصيات صالح الصمّاد، ومع ذلك يبدو أن «التحالف» والسعودية تحديداً، تتنصّل صراحة من عملية قتل الصمّاد، على الأقل حتى اللحظة.
على كل حال، يبدو أن الجنوب هو الخاسر الأبرز من تداعيات هذه التطورات، فكل الأنظار والاهتمامات الخليجية والدولية صارت تشخص شمالاً على وقع الأحداث الأخيرة التي ستكبح من خطوات المفوضات التي تصاعد الحديث عن قربها بالآونة الأخيرة أو تأخيرها الى أجل غير مسمى – إن لم نقل ستلغيها تماماً – وهي المفاوضات التي علّق عليها قطاع كبير من الجنوبيين آمالاً عريضة لإبراز القضية الجنوبية والمطالب السياسية التحررية فوق الطاولة بشكل علني، وبإشراف إقليمي دولي لأول مرة منذ نشوء القضية الجنوبية وثورتها الشعبية، وذلك لإحداث نجاح سياسي جنوبي على المستوى الدولي بعد تصريحات إيجابية للمبعوث الدولي جريفيت، بشأن موضوع الجنوب، واشتراطه لنجاح أية مفاوضات يمنية بتمثيل حقيقي للجنوبيين، أبرز تلك التصريحات ما أورده بإحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي مؤخراً.
تأتي هذه التطورات التي صرفت الاهتمام الدولي عن الجنوب بعيداً، بعد أسابيع فقط من إزاحة «المقاومة الجنوبية» من الواجهة بجبهة الساحل الغربي بعد مئات من القتلى والجرحى والمفقودين قدمها الجنوبيون بتلك الجبهة «الثقب الأسود السحيق» دون طائل، قبل تسلميها مؤخراً بشكل ينم عن استخفاف بالدور الجنوبي، لقوات شمالية، بقيادة العميد «المؤتمري» طارق صالح، وهي القوات التي طالما اعتبرها الجنوبيون قوات احتلال معادية منذ عام 94م، يتم اليوم وبدعم وحماسة إماراتية منقطعة النظير إعادة تأهليها لتكون أكثر فاعلية وسطوة، تحت وطأة «فوبيا الإخوان» التي تلازم الفكر الإمارتي والخليجي منذ فترة .
كل هذا الاستغلال للدور الجنوبي واستثمار دمه وشبابه وقضينه يتم بتوجيهات ولحساب مصالح إماراتية بحتة، لم يكن للجنوبيين من كل هذه التضحيات غير الأوجاع والضياع، مع قليل من الدراهم والريالات تصبّ في جيوب رموز جنوبية آخر ما يخطر ببالها من قضايا هي «القضية الجنوبية».
المصدر: العربي