تحقيق- سوق سوداء للبطائق الشخصية في عدن
تحقيق/ وائل قباطي
“تعال بعد ٣ أشهر” يجيب عليك موظف البصمة والصورة في مكتب الأحوال المدنية في عدن، هذه هي فترة الانتظار للحصول على بطاقة شخصية بعد استكمال كافة الإجراءات، لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، فالبعض أمضى أكثر من عام من الانتظار وإلى أجل غير مسمى.
لكن هناك طريقة أخرى للحصول على البطاقة خلال أسبوع فقط، دفع رشوة تتراوح بين 20 – 30 ألف ريال، كفيلة باستلام بطاقتك في منزلك، رغم تحميل الجهات الرسمية في وزارة داخلية الشرعية مسئولية تأخر البطاقات مليشيا الحوثي في صنعاء.
ويضم مبنى واحد مصلحتي الأحوال المدنية والهجرة والجوازات في عدن، إلا أن هناك مفارقة كبيرة بين المصلحتين، ففي الأولى تصدمك مشاهد مسنين قدموا من الأرياف وبسطاء اهترأت قسائم أرقامهم الوطنية بعد أسابيع من المتابعة، فلجئوا لتغليفها للصمود أطول فترة ممكنة، لأنهم لا يملكون المال لدفعه للسماسرة والموظفين لاستخراج بطائق شخصية، رغم أن فترة استخراج جواز السفر من الطابق الأرضي في ذات المبنى لا تستغرق أسبوعا وبرسوم ٨ ألف ريال المقرة رسمياً، وبسهولة دون عناء الاستعانة بالسماسرة.
سوق سوداء
الطريق الأسهل للحصول على البطائق الشخصية في عدن، بات كـ( سوق سوداء) تشترك فيه الإدارة والموظفين والسماسر بالعشرات الذين يستقبلونك على بعد مئات الأمتار من مبنى المصلحة في مدينة كريتر، دون إلحاح شديد، كونهم على ثقة من عودتك أخيراً إليهم بعد خسارة مبلغ يفوق ما طلبوه وضياع أسابيع من المتابعات دون طائل.
فرع وحيد
يتوافد المئات من المواطنين يومياً من مديريات عدن والمحافظات المجاورة، إلى بوابة مصلحة الهجرة والجوازات فرع بكريتر الوحيد في المدينة، للحصول على هويات شخصية، وهناك تتكسر أحلامهم ويسلمون أمرهم للسماسرة، ومنهم من يحصل عليها بعد دفع مبالغ تقسم ظهورهم والبعض الآخر يقع ضحية فيما القانون المفقود الذي بات اليوم لا يحمي نفسه، وبات معه الحصول على هوية شخصية في عدن، لمن يسلك طريق السوق السوداء سبيلاً.
فوضى وزحام خانق
عملية المماطلة وعرقلة انجاز بطائق المواطنين تسببت بفوضى وازدحام خانق أمام بوابة مبنى الأحوال المدنية وفي ممراته، جعلت عملية الولوج إلى الداخل شبه مستحيلة، وأحياناً يضطر البعض إلى للعودة إدراجهم دون دخول المبنى للاستعلام عن بطائقهم، ناهيك عن عملية التدافع واضطرار النساء للاكتظاظ وسط الزحام للوصول إلى مكاتب البطائق الشخصية.
الارتباط بصنعاء
رغم مرور ٣ أعوام على تحرير عدن، مازال الحصول على البطاقة الشخصية مرتبطا بالرقم الوطني، وموافقة مليشيا الحوثي في صنعاء عليه، دون أن تتخذ وزارة الداخلية الشرعية أي خطوة لحل هذه الإشكالية، أقلها اعتماد تسلسل جديد للأرقام الوطنية، وربطها بمصلحة الأحوال المدنية في الرياض كما هو الحال مع جوازات السفر.
وأرجع وكيل وزارة الداخلية لقطاع خدمات الشرطة اللواء الركن محمد مساعد الأمير، السبب الرئيسي لتأخر صرف البطائق الشخصية في مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني بالعاصمة المؤقتة عدن، إلى كون الربط الشبكي المتحكم بصرف الأرقام الوطنية ما زال مركزه في صنعاء بقبضة جماعة الحوثي الانقلابية، ونحن في عدن ننفذ الإجراءات الرسمية من خلال قيام الموظفين المختصين بتعبئة بيانات طالبي الحصول على البطاقة الشخصية في الاستمارات الرسمية، ومن ثم يتم إرسال تلك الاستمارات إلى صنعاء وتبقى لديهم أحياناً لأكثر من شهر ونصف.
مشروع بطاقة ذكية
وقال الأمير إن الحكومة ووزارة الداخلية تعي معاناة المواطنين نتيجة تلك الإجراءات وطول الانتظار للحصول على البطاقة الشخصية، وأكدّ أنه تم مناقشة هذا الأمر في اجتماع مجلس الوزراء برئاسة الدكتور أحمد عبيد بن دغر، كما جرى مناقشة المشروع الذي تقدمنا به وهو مشروع “السجل الوطني الإلكتروني والبطاقة الشخصية بالشريحة الذكية على مستوى مختلف محافظات الجمهورية”، ووجّه رئيس الوزراء باعتماد المشروع وتتبقى بعض الخطوات الإجرائية للبدء بتنفيذ المشروع والتخلص من سطوة الانقلابيين الحوثيين على الأرقام الوطنية وبالتالي تخفيف معاناة المواطنين في الحصول على البطاقة الشخصية بكل سهولة ويسر.
نجل المدير
زيارتي إلى إدارة السجل المدني جاءت عقب شكوى عديدة عن عمليات المتاجرة بمعاناة المواطنين واستغلال حاجتهم لوثيقة إثبات الشخصية في عملية فساد غير مسبوق في عدن، ناهيك عن حاجتي لتجديد بطاقتي وأحد أفراد أسرتي، فلجأت لأحد سماسرة الذين قابلتهم وعرضت عليه استخراج بطاقة شخصية فرحب بالأمر، واقتادني إلى نجل المدير، الذي بدوره سهل لي إجراءات التصوير واستكمال المعاملة، ولكن عند السؤال عن موعد الاستلام رد الموظف أن البعض ينتظرون منذ أكثر من عام.
موظف: كل واحد يصله حقه
ويطلب السماسرة مبلغ لا يقل عن ٢٠ ألف ريال، إذا كنت محتاجا للبطاقة خلال أسبوع إلى أسبوعين، والأمر ذاته تكرر مع الموظف الذي رقمي الوطني والمبلغ لتقاسمه مع مسئول عن طباعة البطاقات، وطلب الاتصال به بعد أسبوع لإنجاز بطاقتي، وقمت باستلامها في الموعد، بينما البطاقة الأخرى ما زالت حتى اليوم بعد مرور أكثر من شهرين في المجهول.
وعند سؤالي للموظف عن عدم خشيته من تسلم الرشوة أو إبلاغي الإدارة وكشف هويتي الصحيفة له، كان رده صادماً، قال: إن لا احد يستطيع مجرد الحديث معه، لأن كل من في الإدارة تصله حقه.
ختاماً.. هي دعوة لوزير الداخلية ونائبه اللواء/ علي ناصر لخشع، ومدير مصلحة الأحوال المدنية السجل المدني لتغيير إدارة الهجرة والجوازات في عدن واجتثاث الفساد المستشري فيها، بعد أن بلغ السيل بالمواطنين الزبى.
المصدر: عدن تايم