اليمن… بين قضية الجنوب وبين استغلالها محلياً وإقليمياً: لماذا اجل المبعوث البريطاني زيارته لعدن والمكلا؟
صلاح السقلدي
وضعتْ السلطات اليمنية المعترف بها دولياً والمعروفة بــ(الشرعية) يوم الخميس 5 إبريل نسيان الجاري نفسها بموقف المتناقض والمكذّب لتصريحاتها المستمرة التي دأبت على إطلاقها بشأن الوضع الأمني بمدينة عدن وعاصمة محافظة حضرموت المكلا وباقي المناطق الخاضعة لها,حين نصحت المبعوث الأممي الى اليمن “مارتن جريفين” بالتخلي عن فكرة زيارته التي كان يزمع القيام بها الى الجنوب في عدن والمكلا صبيحة ذلك اليوم بذريعة المخاوف الأمنية على حياته.وِجهُ التناقض هنا يتمثل بنصيحتها هذه مقابل ما ظلت تقوله طيلة عامين من أن المحافظات الواقعة تحت حكمها تنعم بوضع أمني مستقر,بل وظلت تدعو كل الدول بإرسال بعثاتها الدبلوماسية الى تلك العاصمة المؤقتة” عدن” وكذلك تطلق الدعوة نفسها لمنظمات الإغاثة الدولية والإقليمية.
كما يتجلى هذا التناقض أيضا بقولها ان صنعاء باتت في ظل حكم الحوثيين وصالح مدينة رعب واشباح ,وهي المدينة التي زارها للتو المبعوث الأممي زيارة طبيعية وسلسلة دون أي حديث عن مخاوف أمنية تُــذكر.
تعرف هذه السلطات كما نعرف جميعاً أن الوضع الأمني في عدن والمكلا مستقرا بعض الشيء” ولا نقول مثالياً” مقارنة مع ما كان عليه قبل عام على أبعد تقدير- مستقرا الى درجة يسمح معه للمبعوث الأممي بالقيام بزيارة إليهما, الزيارة التي لا شك أن كانت تمت سوف لن تدم بضع ساعات في ظل حراسة مشددة تحوطا واحترازا.
وهذا ما قام به المبعوث السابق ولد الشيخ بأكثر من زيارة الى عدن في ظل أوضاع أمنية أكثر خطورة ولم تنصحه السلطات بعدم التوجه الى هناك حينها, والسبب انه كان يلتقي بمسئوليها فقط دون القوى الجنوبية ,بخلاف زيارة المبعوث الأممي اليوم “مارتن جريفين”التي قال أنها باتت مؤجلة – التي كان ينوي من خلالها اللقاء بقوى جنوبية وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي ضمن سلسلة لقاءات يجريها مع كل الفرقاء اليمنيين ودول التحالف أو بالأحرى السعودية والامارات,منذ توليه مهمته قُــبيل الشروع بالمفاوضات المزمع اجرائها ,هذا التخوف الأمني المزعوم والتحذير الذي أسدته سلطة الرئيس هادي وحكومته للمبعوث الأممي لا مبرر له أمنياً على الإطلاق, بقدر ما هو تخوفا لديها من أن تكون هذه الزيارة تشجيعا للتوجه الاستقلالي لدى الجنوب حين يقف الرجُــل على طبيعة وحقيقة القضية الجنوبية عن قرب وكثب وتتشكّف له وللمنظمة الدولية التي يمثلها كثيرا من الخفايا التي ظلتْ مطوية خلف الحَجَب طيلة السنوات الماضية, بعد أن دأبت هذه السلطات منذ تفجر الثورة بالجنوب عام 2007م الى تقديم رموز وكيانات مفرّخة لتمثيل القضية الجنوبية عند كل لقاءات من هذا القبيل وعند كل استحقاقات دولية ومحلية وحوارات ومفاوضات كما فعلت بأوضح الصور حين استعارت شخصيات جنوبية لا ناقة لها بالقضية الجنوبية ولا جمل ووقعت باسم الجنوب على مشروع الدولة اليمنية من ستة أقاليم بُــعيد انتهاء الحوار الوطني في صنعاء عام 2014م, وهو المشروع الذي تم استبعاد الجنوب من المشاركة في صياغته بإصرار من قبل حزب الاصلاح والرئيس هادي والفئة النفعية الجنوبية المحيطة به.
كما نتذكّـــر جيدا كيف تعاطت هذه السلطات قبل هذه الحرب مع المندوب الأممي الأولى الى اليمن السيد جمال بن عمر حين جازف بالتوجه الى عدن للقاء قوى وشخصيات بالحراك الجنوبي” الثورة الجنوبية”, قبل أن توقفه السلطات بذات الذريعة” مخاوف أمنية” بإحدى صالات مطار المدينة ويعود أدراجه الى صنعاء ولكن بعد أن تمكّـن خلسة وعلى عجالة من لقاء عدد من نشطاء جنوبيين – كان كاتب هذه السطور من ضمنهم- وتم احاطته بجوهر وطبيعة القضية الجنوبية من زوايا ظلت لديه معتمة الرؤية.
تدير السلطات ظهرها لقضية الجنوب عند كل استحقاق سياسي بعد أن تفرغ من الاستفادة منها وتقضي منها وِطرها, استفادة مباشرة وغير مباشرة, كما فعلت أحزاب هذه السلطات في غمرة ثورة الربيع العربي عام 2011م حين كانت هذه الأحزاب ما تزال قابعة برصيف المعارضة عندما اتخذت من هذه القضية” قضية الجنوب” التي نشأت على إثر حرب صيف94م التي أصابت الوحدة اليمنية بمقتل كرت أحمر بوجه نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح ليس انتصارا لهذه القضية ولا انصافا لأصحابها ولا تصحيحا لخطأ وحدويا اُرتكب ذات صيف, بل ابتزازا بوجه صالح وادانة له ولحكمه واستدراراً لمواقف الجنوبيين لإسقاط النظام حينها.
اليوم ما تزال هذه السلطات تفعل الشيء ذاته من التوظيف والاستغلال المجحف حيال القضية الجنوبية بل بشكل أكثر استغلالا ومخادعة يرافقه خطابا ديماغوجيا فاضحا ” جنباً الى جنب مع ما تفعله اليوم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المنخرطتين باسم التحالف العربي بحرب دامية منذ مارس 2015م ,حيث تتخذان من هذه القضية تُــرسٌ ومتراسا في خضم حربهما طويلة الأمد مع القوى الحاكمة اليوم بالشمال” حركة الحوثيين حزب المؤتمر الشعبي العام” الرئيس السابق صالح,حيث جعلتْ من هذه القضية مخزونا بشريا يستهلك بشكل مريع بجبهات القتال النازفة.
بل والأشد ضرارا على القضية الجنوبية وعلى الجنوب كله بل وعلى مستقبل اليمن عموما أن التحالف قد استخدم القضية الجنوبية بحربه ضد الحركة الحوثية استخداما طائفيا خطيرا حين حشد وما زال كل القوى المتطرفة تحت مظلته ومظلة الشرعية بكل الجبهات العسكرية بوجه الطرف الآخر الحوثيين وصالح, وهذا التوظيف الخطير ما لبث أن أرتد مبكراً بصدر الجنوبيين قبل حتى أن تضع الحرب أوزراها, حين كشرت هذه الجماعات بأنيابها بوجه كل القوى -وعامة الناس- ممن يخرج عن سياق مشروعها المذهبي التدميري الظلامي… ووسط هذه العاصفة التي تجتاح اليمن والجنوب بالذات -الذي اضحى ساحة حرب اقليمية وايدلوجية مستعرة-من تشابك حابل السياسة وبنابل الصراعات الفكرية والمذهبية والأطماع الاقليمية الاقتصادية التوسيعية يكون أول ضحايا هذا الوضع هي القضية الجنوبية والسلم الاجتماعي والنسيج الوطني الذي يعمل التحالف بقصد أو دون قصد على تمزيقه يوما إثر يوم تحت وطأة ورطة الحرب التي تعصف به وباليمن وبالمنطقة منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
المصدر:رأي اليوم