الذكرى التاسعة والسبعون بعد المئة لاحتلال بريطانيا عدن
الذكرى التاسعة والسبعون بعد المئة لاحتلال بريطانيا عدن
بقلم: د. شهاب القاضي
في مطلع عام 1839 في 19 يناير منه، احتلت بريطانيا عدن عنوة، بقوة السلاح، وبقوته صنعت تفاهمات مع القوى المحلية الفاعلة آنذاك، وأقامت معها علاقات على هيئة معاهدات وصفت بمعاهدات الحماية مما استدعى ذلك تشكيل الكيان السياسي المسمى عدن ومحمياتها الغربية والشرقية، واستمر هذا الوضع حتى قيام اتحاد الجنوب العربي الذي انتهى عقب خروج بريطانيا من عدن عام 1967، وإعلان جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
إلى عدن دخل الاستعمار البريطاني ومن عدن خرج منها، بعد احتلال دام 129 عاما، واليوم تمر علينا الذكرى السنوية لاحتلال بريطانيا عدن، فما هي أحوالها بعد أن تصرمت كل هذه المدة، بعد مئة وتسعة وسبعين عاما؟! وما هي أحوال الجنوب؟!
عدن ومحافظات الجنوب المحررة، هكذا نسميها، هذه الأيام، وال محررة لاتحيل إلى أنها قد تحررت من الاستعمار البريطاني، ولكن تشير إلى أنها تحررت من الاحتلال التي مارسته عليها قوى النفوذ والسيطرة في الجمهورية العربية اليمنية والتي تقع شمالا منها، وكانت وقتذاك تسمى بالمملكة المتوكلية اليمنية.
وباسم الوحدة اليمنية تم اجتياح الجنوب في حربين عام 1994 وعام 2015، في الحرب الأولى،تم تدمير البنية التحتية والموارد البشرية لدولة الجنوب أو ما تسمى باليمن الديمقراطية، وفي الحرب الثانية تم الإجهاز نهائيا على ما تسمى بالوحدة اليمنية وتضررت كثيرا العلاقة بين المواطنين في الشمال المعتدي وفي الجنوب المعتدى عليه. ومازلنا حتى اللحظة ندافع عن حياض الجنوب في طور الباحة وكرش أو تخوم الضالع ومكيراس وبيحان التي تحررت قبل أيام من القوى الغازية من الانقلابيين الحوثيين وقوات الرئيس السابق.
لقد فقد الجنوبيون دولتهم الوطنية التي انتزعوها من بريطانيا، وفقدوا معها السلام والاستقرار والتنمية، ولكنهم ما فقدوا أبدا الأمل في استعادتها، الأمل الذي بدا يقينا بعد انتصارهم على جحافل المعتدين في حرب 2015 فتحررت عدن ومحافظات الجنوب، وأصبح الجنوبي مسيطرا على أرضه، مما دفع نائب رئيس الوزراء عبدالعزيز جباري في مقابلة مع تلفزيون (يمن شباب) إلى الدعوة لإجراء استفتاء شعبي في جنوب اليمن يتضمن تقريرا للمصير في هذه المناطق. وقال “جباري” إنه يجب استفتاء الشعب جنوبا حول الوحدة اليمنية ومعرفة رأي الشعب فيما إذا كان يريد الوحدة أم الانفصال (8 ديسمبر 2017).
وأشار الدكتور ياسين سعيد نعمان، سفير اليمن في العاصمة البريطانية لندن، إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي مكون سياسي وطرف من أطراف الشرعية التي تقاتل المليشيات الحوثية، ودعا الشرعية والانتقالي للتحاور والعمل ضد العدو المشترك، مع تشديده على طمأنة الجنوبيين بأن مستقبل الجنوب سيتقرر بناء على الإرادة الشعبية لأهله، وأن أي تفكير آخر سيربك المسار كله (عدن الغد 26 ديسمبر 2017)، بهذه المعقولية، بهذا المنطق السياسي الذي يدرك تعقيدات الوضع التاريخي لعدن والمناطق المحررة في الجنوب بعد حرب 2015، والذي يرى إليها وضعا جديدا وخاصا، يتطلب قراءة جديدة، وبالتالي أساليب جديدة في التعامل تضمن استقرار وسلام المنطقة في التوفيق بين الإرادات السياسية المتصارعة بما يضمن مصالحها التاريخية الواجبة.
هكذا تتعامل القيادات المدركة لمسؤولياتها التاريخية، ولكن للأسف هناك من قيادات الشرعية، وبالذات في حزب الإصلاح من يرى أن حل القضية الجنوبية لن تتم إلا وفقا ومرجعية الحوار الوطني، ففي آخر تصريح له مع صحيفة الشرق الأوسط (7يناير2018) قال محمد اليدومي فيما يتعلق بالقضية الجنوبية “نحن ملتزمون بنتائج الحوار الوطني، وبالخط السياسي للشرعية”. وقال “لقد كان اليمن ودولته عنوان وغاية هذه المعركة، حتى التحالف العربي أكد مراراً وحدة التراب اليمني مثلما أكد وحدة القرار السياسي بيد قيادة شرعية واحدة”. لقد جرت مياه كثيرة من تحت الجسر، وهناك تحولات سياسية وعسكرية حدثت في عدن والجنوب، تجاوزت نتائج الحوار الوطني التي تتعلق بالقضية الجنوبية، وأن الإصرار في العودة بنا إلى ماقبل 2015، ماهي إلا محاولات ترمي إلى “إرباك المسار كله”. بحسب تعبير د.ياسين سعيد نعمان. وسوف ننتصر، كما انتصرنا في كل مراحل التاريخ.
ففي مثل اليوم احتلت بريطانيا عدن واحتلت الجنوب بعد ذلك، ولكن بعد كفاح ونضال صبور بذلته جماهير شعبنا في ثورة عارمة شملت الجنوب كله، أجبرنا بريطانيا على المغادرة والرحيل من كل الجنوب.. غادرتنا وقد سلمتنا دولة، ولكن فرطنا بها ذات يوم، بناء على رؤية مغلوطة وشعارات براقة أو بناء على مصالح شطرية لكل من قيادتي الشطرين . فهل نحن الآن في الطريق الصحيح لاستعادتها؟هذا ما سوف تجيب عنه إرادة شعب الجنوب الصامد والصابر وصانع المعجزات.