أزمة القات توحّد اليمنيين!
المشهد الجنوبي الأول \
كشفت أزمة القات التي تعانيها الأسواق المحلية، عن مدى خطورة نبتة القات على المجتمع اليمني، ففي بلد يعاني من عدة أزمات، احتلت أزمة القات الناتجة عن تلف المزروع منه بسبب موجة الصقيع التي ضربت المناطق الجبلية خلال الأيام الماضية، أولوية لدى معظم المواطنين في العاصمة صنعاء والمحافظات.
تساؤلات المجتمع التي انحصرت طيلة أيام العام 2017 حول أزمات أسعار الغذاء والدواء والمشتقات النفطية وأسعار صرف العملة الوطنية أمام الدولار، استبدلتها أسئلة تلقائية يومية عن أزمة القات وأسعاره وجودته.
في العاصمة صنعاء، يتسابق متعاطو القات، أو «المخزنون»، على الأسواق المخصصة لبيع النبتة، والتي تصل إلى 400 سوق، منذ الصباح الباكر كل يوم لتأمين احتياجاتهم من القات الذي يعد وجبة يومية لا يمكن العيش بدونها لدى الملايين من اليمنيين، إلا أن الكثير من متعاطي القات يعودون إلى منازلهم خالي الوفاض بسبب شح المعروض منه وارتفاع أسعاره التي تفوق القدرات الشرائية لمعظم المتعاطين.
إسراف وحرب
خلال جولة ميدانية لمراسل «العربي» في عدد من أسواق القات في صنعاء، أمكن ملاحظة مدى الإقبال المهول على أسواق القات برغم الارتفاع الكبير وغير المتوقع لأسعاره، والذي بات يتهدد ميزانية عشرات الآلاف من الأسر اليمنية.
في سوق جولة عشرين بشارع هائل، ارتفع سعر علاقية القات من 2500 ريال ذات الجودة العالية إلى 15000 ريال.
سعد علي الحيمي، أحد تجار القات، توقع خلال حديثه لـ«العربي»، ارتفاع سعر القات إلى 20 ألف ريال للعلاقية الواحدة إن استمرت موجة الصقيع، إلا أنه أبدى استغرابه من الإقبال الكبير على شراء النبتة من قبل المتعاطين، معتبراً أن الإقبال الكبير «إسراف في زمن الحرب».
أما إبراهيم الرداعي، فاعتبر أن الإقبال الشديد على القات في ظل ارتفاع أسعاره إلى مستويات غير مسبوقة، يكشف عن مدى الإدمان الذي يعاني منه المتعاطون.
واعتبر الرداعي ذلك مؤشراً على عدم تأثر مستويات دخل الكثير من اليمنيين بتداعيات الحرب.
«أفيون اليمن»
على جنبات سوق الميزان الواقع بالقرب من جولة سبأ في قلب العاصمة صنعاء، أمكن ملاحظة وجود أكياس ممتلئة بنبات مطحون يشبه «البهارات»، ورجل مسن يشرح كيفية الاستهلاك، وعند سؤال مراسل «العربي» عن محتويات الأكياس، رد بثقة أنه «أفيون اليمن» (قات مطحون). جواب البائع أثار استغراب العديد من المواطنين المتواجدين، وتساءل أحدهم قائلاً: «هل إلى هذا الحد أوصلتنا أزمة القات؟»، فحاول بائع القات المطحون إقناعه بأن معروضه بديل من أزمة السوق ولمن لا يملكون المال الوفير للشراء.
وأكد أن مستوى الطلب على قاته المطحون الذي يعد من النوعية الجيدة وتم اكتنازه من الصيف إلى الشتاء، يتصاعد يوماً بعد آخر بسبب اشتداد أزمة القات في السوق، مشيراً إلى أنه يباع بالجرام وليس بالكيلو. ولكن بائع القات المطحون، ويدعى يحيى غالب الأنسي، أكد أنه منذ سنوات يقوم بتصدير القات المطحون للسعودية ودول أخرى، عبر عدّة طرق، على أنه حناء يمني.
القات يوحدنا!
أزمة القات التي تعيشها أسواق صنعاء تعيشها أيضاً أسواق عدن، ونفس الاهتمامات التي رصدت بصنعاء وجدت بعدن، فأزمة القات وحدت اليمينين وتجاوزت خلافاتهم وصراعاتهم. أحد مسؤولي ضرائب القات في صنعاء أكد لـ«العربي» أن كميات هائلة من نبتة القات تصدّر يومياً من المحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله» إلى محافظات مأرب وحضرموت وعدن وشبوة وأبين.
وأشار إلى أن أزمة القات تسببت بتراجع عائدات الضرائب بنسبة 60% يومياً منذ أكثر من أسبوع.
فاتورة الإنفاق
تشير التقديرات الرسمية إلى أن معدل الإنفاق السنوي في اليمن على شراء القات يصل إلى 4 مليار دولار، بالإضافة إلى حوالى مليار دولار سنوياً لشراء مستلزمات جلسة تعاطيه، وتشمل الشيشة والسجائر والمياه المعدنية ومشروبات غازية. ووفقاً لتقارير وزارة التخطيط بصنعاء، فإن الإنفاق على القات يحتل المرتبة الثانية بعد الغذاء في إنفاق الأسرة اليمنية؛ والذي يتراوح ما بين 26 – 30% من دخلها، وتتسبب جلسات تعاطي القات بإهدار قرابة 20 مليون ساعة عمل يومياً. القات الذي يستحوذ على 11% من إجمالي المساحة الزراعية في اليمن، وتتجاوز المساحات المزوعة بهذه النبة 168 ألف هكتار من إجمالي المساحات الزراعية في البلاد، ويتجاوز عدد أشجار القات وفق الاحصائيات 450 مليون شجرة تستهلك 40% من الموارد المائية، تزداد أيضاً زراعة هذا المحصول بنسبة تتراوح بين 9 – 10% سنوياً على حساب المحاصيل الزراعية الأخرى.
وعلى الرغم من أن نبتة القات من النباتات الضارة بصحة المجتمع اليمني، والتي لها آثار سلبية على ميزانية الأسرة اليمنية لاستنفادها ما بين 35 ـ 40% من إجمالي معدل دخل الفرد المتعاطي للقات، وتصل القيمة الإجمالية لنحو 200 ألف طن من القات سنوياً 400 مليار ريال، فإنها تساهم بما نسبته 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر 14% من فرص العمل وتستوعب 33% من مجموع القوى العاملة الزراعية في اليمن .