كلمة عربية عامية فرضت نفسها في أهم المؤلفات القديمة
المشهد الجنوبي الاول|منوعات
على الرغم من الرصانة المفرطة التي تميز المصنفين العرب، في مدوناتهم، من الناحية اللغوية، إلا أن كلمة شهيرة كسرت عرش هذه الرصانة، فعجزوا عن تجاهلها وأوردوها كما هي، بلفظها الدارج.
وهي لفظ منحوت تداوله العرب، قديماً، بلفظه غير الفصيح الحالي، ولا يزال حتى الآن يستخدم في عدد من البلدان العربية.
ولا تزال كلمة “إيش” و”أيش” تستعمل في عدد من البلدان العربية، ويقصد منه الاستفهام القائل: أيّ شيء؟. فنقلها مصنفون عرب كبار بشكلها الدارج الملفوظ كما هو: “إيش” أو “أيش”. وهي في سياقها تأتي بمعنى الاستفهام عن حال شيء معين، كقول: أي شيء هو هذا؟. لكن عوضاً من شكلها الفصيح الحالي، نقلها مصنفون عرب كبار باختصارها العربي الدارج أو العامي “إيش” و”أيش”.
الطبري: إيش صناعتك؟ قال: نجّار!
ووردت “إيش” و”أيش” في تاريخ الطبري، فنقرأ “وقال: إيش صناعتك؟ قال: نجار”. وأيضاً: “كم قتيل قد رأينا ما سألناه لأيش؟”. وهنا: “أيش تمشون؟”. وهنا: “أيش ظن العبدي؟”.
ولم يمتنع ناقدٌ كبير بحجم الواحدي، في كتابه الشهير الذي يشرح فيه شعر المتنبي، من استعمال أو ذكر الكلمة، فيقول: “لأنه لا يعلم إيش الداء”. وهنا: “بأيش يداوي؟”.
ويستعملها ابن خلكان في “وفيات الأعيان” كثيراً، فترد مثلاً، على هذا الشكل: “فإذا هو لا يدري الحديث أيش هو!”. وهنا: “وأيش أقول؟”. وكذلك: “أيش خبرك؟ فقال بخير”. وهنا: “ويحك.. إيش عملت؟”. وهنا: “أيش في المرأة الحسناء يشبه الظبية؟”. و”أيش هذا يا شيخ؟”.
لسان العرب: أيش وإنما هو أي شيء؟
المصنف العربي الشهير “لسان العرب” لم يمتنع هو الآخر عن تناقل هذه الكلمة التي تختصر السؤال “أي شيء” بـ”إيش” أو “أيش”. فنقرأ: “إيش أقول فيهما؟”. و: “فإذا قيل إيش دحندح قال: لا شيء”. وكذلك هنا: “فإيش هو عندك؟”.
إلا أن “لسان العرب” يمر على اللفظ الدارج “إيش وأيش”، في شكل رسمي، هذه المرة، ويشرح: “وكما قالوا أيش وإنما هو أيّ شيء؟”.
وإيش نفع العلم والأدب من لا مال له؟!
ويستمر هذا اللفظ الدارج بالانتقال من مصنف إلى مصنف، فنجده حتى في “معجم الأدباء” لياقوت الحموي. فنقرأ: “إيش كان ينفعك مع هؤلاء؟”. و:”إيش يقول؟” و”إيش أصابك؟” و”إيش نعمل بهذا الصبي؟” و”إيش كنت تصنع عند إسماعيل بن حماد؟” و”سألته وقلت: إيش هذا؟”.
وبدوره ينقلها الأصفهاني في أغانيه، وترد عنده مرات عديدة، من مثل: “أيش هذا اللحن الجديد؟”. وهنا: “وأنا، إيش ذنبي؟”. و”إيش أعمل بها”. و”أيش معناه؟”. و”أيش ينفع العلم والأدب من لا مال له؟”. و”أيش هذا الشعر؟”.
ويذكر في هذا السياق، أن أقدم قواميس اللغة العربية، وهو كتاب العين للفراهيدي، لم يأت على ذكر “أيش وإيش” أبداً، على اعتبار أنها لفظٌ استفهامي منحوت دارج يدمج أداة الاستفهام بالمستفهم عنه، وتعتبر من الألفاظ الدارجة أو “العامية” التي لا تزال تستخدم في بلدان الخليج العربي وصعيد مصر وسوريا والعراق والأردن وفلسطين.