عن التصعيد الشعبي
بقلم/د.عيدروس النقيب
اكتظت المواقع الإلكترونية الممولة من التحالف المؤيد للشرعية بالأخبار التي تتحدث عن أنصار المجلس الانتقالي الذين يحاولون احتلال قصر المعاشيق، وهي الصيغة التي يصورون بها حركة الاحتجاجات الجماهيرية الرافضة لاستمرار تخريب حياة المواطنين والوصول بها إلى أسوأ مستويات الانهيار والتدهور والتي سميت بحركة “التصعيد الشعبي”.
كنت في مقالتي بالأمس قد تعرضت لهذا المستوى من التدهور الذي وصلت إليه عدن والمحافظات المجاورة لها، والمصحوب بالتبجح والفجاجة التي يدعي بها أنصار الحكومة أن حكومتهم قد حققت منجزات دون أن يشعروا بأدنى مستوى من الخجل بسبب أن الكهربا تنقطع عن عدن 12 ساعة متواصلة لتأتي ساعة واحد ثم تعاود الانقطاع، ولن نتحدث عن الخدمات الأخرى التي لم تعرف تدهورا في عدن منذ أنشأت مثل الذي عرفته في ظل هذه السلطة البائسة.
حركة الاحتجاجات الشعبية التي جاءت هذه المرة تحت مسمى “التصعيد الشعبي” ليست شغب أطفال أو محاولة عبثية للتسلي مع حكومة الشرعية، بل إنها حركة جماهيرية شعبية واسعة وقد تزداد اتساعا خلال الأيام القادمة لأنها تنبع من جحيم معاناة أهل عدن التي وصلت إلى كل شيء.
فما الذي بقي في عدن لم تصل إليه يد الإهمال والفساد والعبث؟ لقد طال الفساد كل شيء بدءً بالخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وبلدية وتموين وخدمات طبية ليصل إلى الرواتب التي هي حق قانوني لا ينازع الناس فيه منازع ولا نتحدث عن تعطيل مطار عدن وميناء عدن ومصفاة عدن وإذاعة عدن وتلفزيون عدن وكل المرافق الحيوية في عدن، فماذا ننتظر منهم ليخربوه بعد ما خربوا كل شيء؟
حركة التصعيد الشعبي حركة مشروعة والقائمون عليها أصحاب حق لأنهم يتبنون المطالب التي يقر بها العدو قبل الصديق، وهم يتحركون في الإطار السلمي والقانوني، ومن حق كل من فقد حقه في الحصول على تلك الخدمات ومن أوقف راتبه ومن تألم لتعطيل مينا عدن ومطار عدن وسواها من مرافق عدن الحيوية، من حقهم أن يحتجوا على هذه الحكومة التي تستغفل شعبها وتدعي أنها شرعية وهي لا تمتلك أدنى مؤهلات المشروعية.
لا أتوقع أن تستجيب السلطة لمطالب المواطنين ليس لأنها لا تمتلك ما تقدمه، بل أن لديها الكثير مما يمكن تقديمه، لكن مراكز الفساد في هذه السلطة المتحالفين مع اصطفاف 1994م الذي ما يزال يعامل الجنوب كعدو، لا يقبل بأن يستجيب لمطالب المواطنين التي هي أكثر من مشروعة وأكثر من عادلة، بل إنها بديهيات من بديهيات الحياة في أكثر بقاع الدنيا تخلفا وفقرا، لكنها في بلادنا مطالب تعجيزية لسلطة تبخل على شعبها بمحلول إرواء لضحايا الكوليرا ويتسابق متنفذوها لنهب المواد الإغاثية والدوائية والغذائية ليبيعوها في السوق السوداء ويضيفوا عائداتها إلى أرصدتهم في بنوك الخارج مستلهمين دروس “خبازهم وعجانهم” الأول.
بقيت لي كلمتان الأولى للذين ينتقدون هذه الحركة الاحتجاجية بحسن نية أو بسوئها والثانية للقائمين على حركة التصعيد الشعبي:
1 حركة التصعيد الشعبي التي تطالب بإسقاط الحكومة لا تدعي أنها ستستولي على السلطة وستحل محل الحكومة، بل هي تطالب بحكومة ذات أهلية وقدرة على معالجة مشاكل الناس خالية من الفاسدين ويتحلى القائمون عليها بقدر ادنى من المهنية والكفاءة والنزاهة ، وهذا بطبيعة الحال ليس تخليا عن مطالبة الشعب الجنوبي باستعادة دولته التي هي مشروع استراتيجي قائم وسيأتي وقت طرحه على الطاولة.
2 على القائمين على هذه الحركة الاحتجاجية وضع مستوى معين لحركة الجماهير والتحكم بهذه الحركة الرائعة والتمسك بالإطار السلمي للحركة وعدم السماح للنزقين والمستهترين والمشاغبين والمدسوسين أن يتسللوا إلى حركتهم ليشوهوا مضمونها الجميل المنحصر بالمطالب المشروعة التي طرحوها وتمسكوا بها حتى نهاية المشوار.
أما المشوهين والمنافقين والأفاقين فلهم أن يقولوا ما يقولون لأن هذا مصدر رزقهم ونحن لا نغبطهم عليه فلتستمر القافلة ولينبح النباحون.