بدا واضحاً بعد الاتصالات والمشاورات على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، أن ثمة لغتين معتمدتين حيال إيران، تعكسان تردد دول الغرب الشريكة في الاتفاق النووي في مجاراة سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إصراره على التبرؤ من الاتفاق واتهامه طهران بانتهاكه.
تجلى ذلك أيضاً في تأكيد وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أن طهران ملتزمة ببنود الاتفاق وإشارة الوزيرة التي لا تخلو من مغزى إلى أن الاتفاق «لا يخص أميركا وحدها»، ما يعني أن اوروبا لا تشارك الأميركيين تقييمهم الموقف الإيراني. ودفع ذلك وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى التمسك بالقول أن لدى الولايات المتحدة «مشكلات مهمة» مع الاتفاق النووي.
لطالما فاوضت إيران على خلفية استعدادها لتقديم تنازلات في ما يخص تمدد نفوذها إقليمياً في مقابل انضباطها في المجال النووي لجهة إعطاء الغرب ضمانات مطلوبة حول الطابع المدني لبرنامجها النووي. لكن لسبب ما، رفضت الإدارة الأميركية السابقة المقايضة على هذا الأساس وفضلت إبرام تفاهم «نووي» تقايضه بمكاسب تجارية لطهران، متجاهلة السياسات الإقليمية للأخيرة أو حتى برامجها للتسلح.
هذا باختصار ما يمكن استخلاصه من كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد اجتماع «مجموعة 5 1» في نيويورك، والذي جمع للمرة الأولى وجهاً لوجه، تيلرسون مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف. يقول ماكرون أن سلوك إيران الإقليمي يعني أن الاتفاق النووي ليس كافياً، في ضوء تنامي نفوذ طهران في المنطقة ومواصلتها اختبار الصواريخ الباليستية.
ومع تكراره للمواقف الأوروبية التي تشدد على أن إلغاء الاتفاق النووي سيكون خطأ لما لذلك من محاذير بالنسبة إلى الانتشار الذري، يؤكد ماكرون استعداده للتوسط بين أميركا وإيران بهدف التوصل إلى ما يصفه بـ «إطار عمل»، ويسميه الكرملين «ملحقاً» بالاتفاق النووي، وبمعنى آخر، تفاهماً جديداً يتعلق بسلوكات طهران وبرنامجها الباليستي، وهو أمر ستطالب الأخيرة على الأرجح بثمن مناسب لتحقيقه. وكان ماكرون تفاهم مع بوتين حول «الإطار – الملحق» الذي يمكن اقتراحه على الجانبين الأميركي والإيراني.
لا يؤخذ المراقبون والمحللون في الغرب بـ «دونكيشوتيات» الرئيس الأميركي من على منبر الأمم المتحدة، والتي تكاد تضعه في مستوى واحد مع خطاب «الحرس الثوري» والمتشددين في طهران، في حين تتمسك الدول الخمس المعنية بالاتفاق النووي (الـ6 ناقصة أميركا) ومعها إدارة الرئيس حسن روحاني، بممارسة اللعبة السياسية بما تقتضيه من حنكة… ودهاء وخبث.
هذه الروحية التي طغت على اجتماع وزراء خارجية الدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) مع نظيرهم الإيراني محمد جواد ظريف الأربعاء. وخرج وزير الخارجية الأميركي بعد الاجتماع ليقول للصحافيين حرفياً أن «أي تراشق بالأحذية لم يحصل» بينه وبين نظيره الإيراني! وإن اعترف بأنه ليس واضحاً ما إذا كانا سيتمكنان من التفاهم على «مستقبل الاتفاق النووي»، ما يعكس تصميم البيت الأبيض على نقضه بعدما قال ترامب في خطابه من على منبر الجمعية العامة، أن «الاتفاق مع إيران كان من أسوأ الصفقات وأكثرها انحيازاً على الإطلاق بالنسبة إلى الولايات المتحدة»، وذهابه إلى وصف الاتفاق بـ «المعيب».
لا شك في أن عدم مجاراة الأوروبيين الموقف الأميركي المشكك في الاتفاق النووي، لا يضع أميركا في عزلة في هذا المجال فحسب، بل يهدد أيضاً باستدراجها إلى مفاوضات على تفاهم جديد يتعلق بسلوك إيران الإقليمي وبرنامجها للصواريخ، الأمر الذي يبدو أن «الحرس» يتعمد التصعيد الكلامي حوله في محاولة للدفع نحو اتفاق جديد لـ «قطف ثماره».