أنسنة الإعلام لمواجهة حيونة الإرهاب
بقلم/عائشة سلطان
تبدو بعض القضايا أكثر تعقيداً مما نتصور، بحيث لا يمكن تمريرها بقليل من التشاؤم وكثير من التفاؤل والأمل، خصوصاً حين تكون هذه القضايا متمددة في الجغرافيا ومتشابكة في بنية العلاقات والمصالح، كقضية الإرهاب والتطرف مثلاً، وعلاقة ذلك بالإعلام، فحين نضع الإذاعة والصحيفة والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت في وجه الجماعات المتطرفة، ونقول إننا نريد ونطمح ونتمنى أن نواجه شراسة وقوة الإرهاب بالإعلام كقوة ناعمة ذات تأثير حاسم، ماذا نكون قد فعلنا في هذه الحالة؟ أعتقد أننا نكون كمن وضع الحصان أمام العربة ليس أكثر، بمعنى أن الإعلام لن يفعل شيئاً مؤثراً، بينما سيتمادى الإرهاب في شراسته أكثر!
طرح منتدى الإعلام العربي في جلسته الرئيسة، صباح أمس، إشكالية في منتهى الخطورة يعاني منها الجميع (الإنسانية في مواجهة الإرهاب)، كيف يمكننا أنسنة الإعلام؟ كيف يمكن أن نواجه بالإعلام أو عن طريق الإعلام، تحديات التطرف والإرهاب بكل ما يفرزانه من سلوكيات مدمرة، هل يبدو ذلك ممكناً؟ بعد أن تمكن الإرهاب من أن يفرض حالة من النفوذ والاهتمام الكبير في وسائل الإعلام بكل ما ينتجه من خطاب وفعل تدميري، لقد أصبحت وسائل الإعلام العربية والعالمية لفترة من الزمن، واحدة من أدوات ترويج سيكولوجية الخوف والرعب التي لطالما أراد المتطرفون فرضها على الجميع!
صحيح أن هناك خبراً يجب تغطيته مباشرة، لكنّ هناك أموراً أخرى أهم، على الإعلام أن يتنبه لها الآن، بعد أن أهملها طويلاً. إن أفلام ومقاطع وصور الذبح الفردي والجماعي، وطقوس القتل والحرق والتفجير، قد تغلغلت في عقول الملايين من المشاهدين، متسببة في شيوع حالة من اللامبالاة، إضافة للذعر، الأمر الذي ضخم من حجم الإرهابيين وإمكاناتهم، كما أنه روّج لهم وبشكل ناجح، وأصبح الإعلان عن عدم القدرة على هزيمة الإرهاب أو محاربته أو التصدي له، يشكل دعاية مجانية – وغبية أيضاً – عملت على وجود معجبين وأنصار في كل مكان يسعون للانضمام إليه والعمل تحت رايته!
على وسائل الإعلام أن تمنح الدور المعرفي مكانة بين برامجها، وأن تعمل بشيء ممنهج على إضاءة الكثير من القضايا الشائكة أمام الجمهور بذهنية ناقدة وتفكيكية، وأن تتخلص من فكرة المحرمات والقضايا المسكوت عنها، والتي يتغلغل الإرهاب من خلالها ليزعزع علاقة المواطن بأخيه، والمواطن بوطنه وبحكامه، وبمجمل مظاهر الحياة والحضارة التي يحاول المتطرفون وصمها بالكفر والتحريم وغير ذلك، إذا فتحنا أبواباً للمعرفة المستنيرة وللعقل الناقد، فربما استعاد الإعلام دوره الاجتماعي، وهنا يمكن ساعتها أن نتحدث عن أنسنة الإعلام في مواجهة حيونة الإرهاب!.