الجنوب التائه حين يغدو مجرد العوبة
بقلم/عبدالله فضل الحسام
لا تزال مصطلحات عاصفة الحزم ، والتحالف العربي ، ومعهما المصطلحات الثانوية كتحرير صنعاء ، وإعادة الشرعية، وإسقاط الانقلاب وغيرها الكثير من المصطلحات ؛ تراوح نفسها على استحياء في قنوات التلفزة ، والصحف الإعلامية الخليجية وهي تضمحل شيئاً فشيئاً وبالكاد تختفي لتحل محلها مصطلحات ” الهروب الحتمي من المستنقع ” كالتسوية السياسية ومبادرات جديدة ما إن تشيخ مبادرة حتى يتحفنا ولد الشيخ بأخرى لحل ” الصراع ” القائم أو ما يؤسس له ..!
اليوم تضاف إلى هذه المصطلحات في هذا الأسبوع كم هائل من الأحاديث والتحاليل والترويجات لصراع قادم لامحالة بين صالح والحوثيين !
صراعٌ يلقي الخليج بكل ثقله لحدوثه على قاعدة ” الحرب من أجل السلم ” علَّهْ يمثل مخرجاً لمأزق حربٍ لم تعد حرباً بل تحولت الى مجرد معركة ومناوشات تحدث بين الحين والآخر لتحتفظ بالمعنى الكلي للأزمة المستفحلة والمأزق الذي بات الخروج منه بما يحفظ ماء الوجه مكلفاً والبقاء فيه مكلفاً أيضاً بالنسبة للسعودية لكنه ضروري .
نستنتج إذاً أن الأطراف التي تتحكم بمآلات الصراع في اليمن الخارجية منها على الأقل باتت مقتنعة بأن الحرب يجب ان تنتهي إن لم تكن قد انتهت فعلياً في الميدان وتبقى هناك ثمة أمور خلف الكواليس تجري ” لإنجاز ” تسوية سياسية لحرب طال أمدها …
في خضم هذا الوضع بين اللاحرب واللاسلم يبرز هناك سؤال حتمي ما هو مصير الجنوب في مرحلة ما بعد الحرب ؟! وهل له أدنى مكانة في طاولة التقاسم اللاوطني التي تعقب كل أزمة في اليمن ؟.
الحقيقة المُرة التي يجب أن نعترف بها هي أن الجنوب حالياً يلعب دور ” البطل المُغيَّب ” في فيلم ” الصدمات المرهقة ” إن لم يسعفه الحظ وتسعفه تحالفات ما بعد ” عاصفة اللاحزم ” .
في الجنوب هناك وطن إلكتروني يتقاسمه مراهقو الوطنية على صفحات التنافر الإجتماعي يتخللهم عدداً كبيراً من السيكوباثيين يصنع كل منهم لنفسه قديساً سياسياً وملاكاً منزهاً ومفوضاً فوق العادة ، وهناك من يحنط له ” موميا ” يسبح بحمدها ليل نهار .
في الجنوب هناك مكونات هلامية تفتقر للمعنى الحقيقي للمكون السياسي ، وهناك مجالس موسمية العمل والضهور تجيد ترتيب قوائم الإقصاء اللاوطنية وتوزيع صكوكها بطريقة الديماغوجيين ( demagogues ) بالقدر ذاته التي تجيد فيه بيع الوهم لعامة الناس، وينبري منها بين الحين والآخر شطحات سياسية تقل وتيرتها وتزيد وفقاً لإملاءات الخارج المرتهنة له ووفقاً لتوجيهاته .
في الجنوب هناك ارتهانات” فوق العادة واللاعادة ” للخارج الذي وجد ضالته في ظل حالة التشظي والتيه السائدتين لتكون هذه الجغرافيا الممزقة أوصالها بيئةً خصبةً للباحثين عن المقايضات الرابحة ووسيلة ناجعة للابتزاز السياسي لمصلحة دولـ أردناها ” حليفةً وقدمنا الكثير في سبيل ذلك بينما أرادتنا أتباعاً في أحسن الأحوال إن لم نقل مرتزقة في أسوئها !” ، ولا عتب إلا على أنفسنا …
في الجنوب ننتظر القدر بشغف علَّهُ يأتينا بتباشير وطننا المسلوب على هيئة حلم نغفوا كثيراً كي يزورنا بخدعة نصر واحدة ! .
مشهدٌ تراجيدي قد يصدم شعباً غلبت عليه عاطفته واستهوته شياطين السياسة ليجد نفسه مرهقاً جداً من تجارب الفشل المتوالي لمكونات التشتت السياسي التي تجيد جرجرته نحو المجهول بعزف سيمفونية الوطنية على مسامعه دون أن تدرك ما الذي يعنيه الوطن ومالذي يحتاجه ! .
هذه التراجيديا التي قادتنا إليها سنوات من تزعزع الثقة بالنفس وخلخلة الشعور بالقدرة على فرض الأمر الواقع دون استجداء او انبطاح كما فعل البعض ممن ارتموا في أحضان المقامرة المكلفة دون أي ضمانات ولا حسبان حتى لمثل هكذا خطوة .
قليلٌ من العزة والاستقلالية للذات الجنوبية وقليلٌ من التقدير لدماء الشهداء أيها القادة المتخبطون في أوحال الولاء المتهافتون نحو عواصم الامتيازات الشخصية فالجنوب لن يأتي بالاستجداء ولن يأتي بإعلان التبعية المطلقة لهذه العاصمة او تلك فهذه العواصم التي تتهافتون إليها لا يهمها سوى مصالحها التي تتنافر في كثير منها مع أهداف ثورتنا .