عرفته منذ عودته من الكويت نتيجة حرب الخليج ، عاد ذلك الشاب الكفيف مثقلاً بهموم إعاقتهِ حاملاً معه طموحاته وآماله بالاستقرار في وطنه الأم “عدن” الذي غادرها طفلاً إلى دولة الكويت التي تكفلت برعايته بين كنفاتها منذ نعومة أظافره .
ولكم أن تتخيلوا قساوة المعاناة التي واجهته للخروج من الكويت أثناء حرب الخليج متنقلاً بين ظلمات الطرقات والنزوح الذي أجبرته عليها تلك الحرب القاسية .
ورغم المسافات الطويلة التي قطعها للوصول إلى عدن ، كانت الآمال العريضة تملأ مخيلته عند عودته للوطن .. تتقمصه عزيمة قوية لا ينافسه فيها أحد ، وقرر مواصلة دراسته والالتحاق بالدراسة الجامعية ، وتخرج من كلية الحقوق جامعة عدن وهو كفيف !!
لكن واقع الحال كان أصعب مما توقعه هذا الشاب المتفائل ، فلم يحظَ بالحصول على أي وظيفة – مهما كانت – ليقتات منها عزيزاً لا يطرق أبواب الذل أو الرجاء أو التسول سوى من الخالق الكريم الذي أمتحنه بأخذ عزيزتاه ، يملأ قلبه الصبر وعمق الإيمان وهمـَّـة الرجال الأقوياء الذين لا تحنيهم مثل هذه الإعاقة .
وتجري الأيام تباعاً ، ويفقد والده الذي انتقل إلى رحمة الله مخلفاً هذا الضرير الكفيف دون أي مصدر دخل ولا حتى سكن يأوي جسده النحيل المتعب .
ومع أنه أضطر ليطرق كل الأبواب لعله يجد قلباً رحيماً أو بعض المشاعر الإنسانية التي توجب الالتفات إلى حالته القاسية التي وصل إليها ، لكن أغلقت الأبواب دونه ، وازدادت ظلمة السواد التي تغشي عيناه وحياته في وطنه الذي طالما حلم بالعودة إليه ليكون عزيزاً كريماً يحظى بالاهتمام اللازم للمكفوفين الذي يناله أقرانهم في مختلف بقاع الأرض دون استثناء ..
هاهو ذا الكفيف المثقف المتواضع ، الذي لا تفارقه البسمة والتفاؤل يلجأ اليوم لرفع مناشدته هذه للجهات الرسمية والشعبية وكل الجمعيات الخيرية والانسانية ، وكل من لديه الامكانية لمساعدته في الحصول على مأوى أو سكن يأويه ، قطعة أرض يتبرع بها أحد المستطيعين الذين يبحثون على تجارة رابحة مع الله في هذا الإنسان الضعيف الذي أشتدت قساوة الأيام عليه وتركته يصارع هذه الحياة وحيداً كفيفاً لا يمتلك من حطام هذه الدنيا شيئاً ، ويتقدم آخر لمد يد العون في بناء مسكن بسيط متواضع جداً يجد فيه كفيفنا سريراً يرتمي عليه لينام قرير العين بدلاً من حالة التشرد والضياع التي رمته فيها ظروف الحياة في وطن عاد إليه فأفقده حتى راحة البال والقوت والمأوى ولا حول له ولا قوة سوى رفع هذه المناشدة الإنسانية لمن يستطيع أن يقدمها له إنقاذاً لما تبقى من هذا الإنسان المتعب الكفيف : عبده سيف من أبناء مديرية التواهي – عدن