يابلي يا مسلي على خاطري!
بقلم / محمد العولقي
*يقول (جون بارث) أن الانسان بطل قصة حياته ، وبعد أذن الفيلسوف أرى أن انسانا غزير المعاني كحال مؤرخ التاريخ الجنوبي الحديث والقديم (نجيب يابلي ) غير المعادلة السابقة ، والغى قوانين نشوئها وارتقائها متخذا من الناس أبطالا لقصصه التي تنبع من ذاكرة اعصارية قلما تخطئ في رصد أرقامها ودلالات تواريخها!
وحسنا فعل كاتب التاريخ الحديث (نجيب يابلي) وهو يوزع ايقاعاته على أكثر من مساحة تاريخية وفي مختلف المجالات ، فالرجل الجليل الأشيب الفودين ذو البشرة الجنوبية القمحية ومتوسط القامة ينثر علينا عبير حكاياته التاريخية بطريقة محببة ولطيفة المعشر ، سابرا أغوار الناس بحسب معادنهم كيف لا وقد قال الفنان (أبوبكر سالم) شفاه الله من وعكته المرضية :الناس في الدنيا معادن!
لا جدال في أن للمؤرخ الفذ (نجيب يابلي ) عقلية اقتصادية تضاهي ما دونه (آدم سميث) عن الثروة وعلاقتها بالناس ، كما أنه لم يتقوقع أو يتقعر خلف مبادئ (رأس المال) لصاحبه البلشفي (كارل ماركس) ، لكنه عجن كتب الاقتصاد ودرس مفاهيم لغة البورصة فتحول رأسه الصغير العجيب الى معمل ينتج الحلول ويفرز الكثير من نظريات الانتصار لمن ساهم في رسم منحنيات الاقتصاد بعيدا عن حكاية العجلة والندامة!
غاص (نجيب يابلي) في بحر لجي باحثا عن فرص لاصطياد كل قديم وجديد ، معلقا منتوجاته المطرزة بحكايات القلم والقمم على سنارة ذهبية تسر الناظرين !
في مدونة (عمو نجيب) كما يحب أن يناديه تلاميذه ومحبيه ومعجبيه الكثير من رادارات فلسفة (ابن رشد) تكمن في عيون شخصيات تاريخية بصمت على حياتنا بمآثر خالدة غابت عن (الفحامين) لكنها لم تغب عن بال وخاطر ووجدان عاشق الانصاف (يابلي)، الرجل الذي يودع المعروف في مكانه طارحه عنده أمانة ما بغيته يضيع يا زهرة في الربيع !
وكما أن علم الاجتماع لصاحبه (ابن خلدون) يحثنا على ممارسة طقوس الانصاف تجاه من يزرع سماءنا حضارة وتطور فأن الاساس أن نضع (نجيب يابلي) بين صفوة مؤرخي الحاضر وما أقلهم في عالم اختزلته التكنولوجيا الغربية الى قرية صغيرة تتجول فيها دون حسيب أو رقيب ، فهو من يضع المعروف في أهله ، وهو من يرصد محطات رحال كانوا بيننا وغادرونا دون أن تمتص رحيق رحلاتهم مع الحياة وتداعياتها المركبة ، وهو الرجل الذي يذوب ويتشكل في محيطنا فارضا ايقاع ايثاره على الجميع ، مانحا الجميع شرابا من ابداعه طعمه سلسبيلا!
لم يترك شخصية مهما كان مجالها الا وطرق بابها وطاف بنا ببساط ريح فريد الاطرش امصارا واقطارا كرحالة يتحكم ببوصلة سفينتنا التي استوت على الجودي بفضل براعة ربانها الماهر وحكاياته التي تنسكب في عيوننا كحلا اثمديا يتحدى به قوة ابصار زرقاء اليمامة!
وللمؤرخ(نجيب يابلي ) مكانة خاصة في قلبي ، ليس لأنه مؤرخ سبق عصره وأوانه، ولا لكونه مثل (روبن هود) يحن على فقراء التاريخ فقط ، ولكن لأنه قامة اعلامية في مجال مختلف يتطلب العمل بست حواس وليس خمسا ، ولأنه كاتب سياسي ثائر على الوضع ، يكتب بكلمات كاللكمات ، يلسع بمفرداته الرنانة ويلدغ بعباراته الساخرة واللاذعة في قالب من (التنكيت والتبكيت)، يقول كلمته ويمشي لا يلوي على شيء ، يتحرر من قيوده وهو يكتب احيانا بموس الحلاقة ، يلين قلمه فجأة عندما يحاكي شخصيات خلدها الزمن كشامة على خد ابداعاته المشرقة ، وعمنا نجيب ربنا يعطيه طولة العمر يمتشق سيفه المسلول متأهبا لجولة في النباهة مع (الفحامين ) الذين يسرقون التاريخ ويسودون حياتنا بمرارة واقع فرضه السياسيون ، اللهم جرجرهم بحق جاه النبي ، اللهم بطخهم وانفخهم الى اخر متواليات الزعيم عادل امام!
ولليابلي المتربع على عرش قلوبنا نهديك باقة امتنان في يوم يكرم المرء فيه أو يهان ، ونهديك في عيد ميلادك ربيعا دائما وجنانا من وحي الحسيني والرمادة زراعة يا رمز الوداعة ، ونهديك يا فارس الفكر والشكر واحة غناء تفوح منها رائحة الفل والكاذي وتين المحبين ، وكل عام وقلمك الساحر الساخر في خدمة ناس نذرت حياتك لتنصفهم دون أن تبحث عن دور بطولة في قصة زاخرة بالعظماء ، لك تحيات وطن دافعت عن عزته وتاريخه وبطولاته في وقت فضل فيه بعض (النقارين) الهروب عن الشر مع فاصل من الغنا