لن يصمت المواطن على تجويعه

بقلم/عبدالله ناصر العولقي

لم يكن ضعف المواطن وتراخي إرادته وتهاونه في انتزاع مستحقاته وعدم رفع صوته عاليا مطالبا بحقوقه هو العامل الوحيد في تشجيع الحكومة على التلاعب برواتب الموظفين والمتقاعدين -رغم ان ذلك لن يستمر طويلا-، لكن هناك عامل اخر هو ثقتها وعلمها المغلوطان بان المواطن ليس في استطاعته مقاومة السلطة ودفع ذراعها الطولى ومنع مخالبها الحادة عنه .
لهذا تجرأت الحكومة و أخلت بأهم واجباتها تجاه مواطنيها من خلال تخليها عن دفع رواتب ومعاشات موظفيها ومتقاعديها بانتظام بل سمحت بدفع رواتب مبتورة فالبعض خصم من راتبه النصف او الربع دون وجه حق ، والبعض لم يستلم راتبه منذ ثلاثة اشهر ولا يعلم متى سيأتي الفرج وستزول هذه الغمة .
ان الحكومة تدرك الأهمية والضرورة البالغة الذي يمثلها الراتب بالنسبة للمواطن فهو مصدر الرزق الأساسي والوحيد ، ولا يجوز نزع هذا الحق او التلاعب به مهما كانت الظروف . و من الواضح ان الحكومة قصرت في وضع معالجات للتدهور الاقتصادي ولم تبالي بعواقبه الكارثية على المواطن، ورغم مساعدة دول التحالف وتقديم عشرين مليون دولار لتفادي هذه الأزمة ، وقيام الحكومة بتحويلها الى العملة المحلية عبر مزاد علني مشبوه ، وذلك لسد العجز في دفع المرتبات الا ان عجلة سداد مستحقات المواطنين لا تسير ولم تضخ مبالغ كبيرة لجميع مكاتب البريد والبنوك لتسليم مرتبات كاملة و وافية للجميع ، فلا تعتقد الحكومة ان تحايلها بمصدر دخل المواطن سيمر وان المواطن بلغ من الضعف كمربية الاولاد الساذجة في قصة الكاتب الروسي انطوان تشيخوف الذي يعتبر من اشهر كتاب القصة القصيرة في الأدب العالمي وملخص هذه القصة ان مربية الأولاد حين يسلمها سيد المنزل في مكتبه راتب شهرين يفتري عليها باكذوبات لكي يسلب غالبية أجرتها فيدعي انه اتفق معها على دفع ثلاثين روبل راتب شهري بينما تخبره بان الاتفاق هو على اربعين روبل لكنه يؤكد ان ذلك مدون عنده ، فتوافق ، ثم يخصم تسع ايام احاد بحجة انها ايام إجازة وكانت لا تدرّس الأولاد خلالها بل تتنزه معهم و يخصم ايضا قيمة قميص ابنه لكونه تمزق عندما وقع من الشجرة وذلك بسبب تقصيرها وعدم مراقبتها له، ويدعي كذلك بأنها اخذت منه عشرة روبلات فأخبرته بثقتها الأكيدة انها لم تاخذ ذلك المبلغ ومع هذا استسلمت للخصم فهو مدون عنده حتى وصل ان ابقى لها احد عشر روبل بدلا عن ثمانين روبل ! ، تستلمها وتقول له بصوت خافت حزين شكرا ، فيغضب من خنوعها واستسلامها ويقول لها انا حاولت امزح معك واعطيك درس قاسي لكن لماذا لم تحتجي لماذا هذا السكوت لا اصدق ان يعيش في هذا العالم من لا يملك انياب حادة يدافع بها عن نفسه!! ٠
هيهات ان يبلغ حال المواطن كحال مربية الأولاد ، ولن يطول صمته وسكوته اذا استمرت الحكومة بتجاهلها لحقوقه وعدم إسراعها بدفع معاشه ، فلابد ان يكشر بأنيابه الحادة في وجه السلطة الذي لا تمزح مع مواطنها كسيد المنزل في قصة الساذجة ، وانما تعبث بحياته وتستغل سكوته وصبره فتقوم بتجويعه في حين هي تزداد تخمة .
You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com