محاولات أمريكية لدفع الرياض نحو المواجهة في البحر الأحمر.. ماذا وراءها؟
المشهد الجنوبي الأول _ متابعات
في ظل التصعيد المستمر للأوضاع في اليمن، ظهرت مجددًا الفجوة بين المواقف السعودية والأمريكية بشأن كيفية التعامل مع التطورات العسكرية في البحر الأحمر.
المملكة العربية السعودية رفضت مؤخرًا طلبًا أمريكيًا للتصعيد ضد العمليات العسكرية التي ينفذها اليمن، وهي خطوة تعكس التباين المتزايد في السياسات بين الرياض وواشنطن فيما يتعلق بالملف اليمني، وخاصة في ظل الاضطرابات المتزايدة في البحر الأحمر.
الرفض السعودي
في حديث نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، ناقش ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، العديد من القضايا الإقليمية المهمة، وكان ملف اليمن على رأس تلك القضايا.
خلال اللقاء، أكّد محمد بن سلمان على ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، معبرًا عن رفضه القاطع للمطالب الأمريكية بزيادة التصعيد العسكري ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن.
وقد شهدت هذه المحادثات تبادلًا حادًا للمواقف، حيث حاول روبيو إقناع الرياض بأن العمليات العسكرية اليمنية التي أُطلقت مؤخرًا ليست موجهة ضد “إسرائيل” فقط، بل تشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية، وكذلك للمواطنين السعوديين والبنية التحتية في المنطقة، لكن الموقف السعودي ظل ثابتًا في رفض أي تصعيد جديد في مواجهة الحوثيين، وهو ما يعكس تباينًا استراتيجيًا بين الرياض وواشنطن.
أسباب الرفض السعودي للتصعيد العسكري
يمكن فهم الرفض السعودي لهذا التصعيد عبر عدة عوامل استراتيجية وتاريخية، فقد كانت المملكة قد خاضت تجربة مريرة في حربها ضد حركة أنصار الله، منذ تدخلها العسكري في اليمن عام 2015، على الرغم من الدعم الدولي والتحالفات العسكرية التي شكلتها، لم تتمكن الرياض من تحقيق النصر السريع، بل واجهت استنزافًا في الموارد البشرية والمالية وأدى الوضع إلى حالة من الجمود العسكري، هذه التجربة جعلت المملكة تدرك أن أي تصعيد عسكري آخر قد يتسبب في المزيد من العواقب غير المضمونة، وخاصة إذا استمرت الحرب لأمد طويل.
التحولات الإقليمية والمصالح السعودية
السبب الآخر الذي يدفع السعودية إلى الحذر من التصعيد العسكري ضد أنصار الله هو تغير المشهد الإقليمي والتحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة، فبعد سنوات من الحرب مع أنصار الله، بات من الواضح أن هذه الحركة ليست مجرد لاعب محلي، بل أصبحت قوة إقليمية تمتلك تأثيرًا قويًا على مجريات الأحداث في اليمن والمنطقة بشكل عام.
أنصار الله، التي كانت في البداية مجرد حركة محلية في شمال اليمن، تحولت إلى فاعل رئيسي في المعادلات الإقليمية، هذا الوضع جعل المملكة تدرك أن التصعيد العسكري ضدهم قد يؤدي إلى تأزيم الوضع أكثر ويؤثر سلبًا على أمن البحر الأحمر والملاحة الدولية، وهي نقطة حيوية للمصالح السعودية.
الأولويات التنموية الداخلية
أحد أبرز العوامل التي تجعل السعودية تتجنب التصعيد العسكري هو أولوياتها التنموية، تحت قيادة محمد بن سلمان، تسعى المملكة إلى تحقيق رؤية “السعودية 2030” التي تركز على التنمية الاقتصادية والتنوع الاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد على النفط، هذا الهدف يتطلب استقرارًا داخليًا وإقليميًا، وهو ما يجعل المملكة أقل اهتمامًا بالصراعات العسكرية التي قد تقوض مشاريعها التنموية الكبيرة.
من جهة أخرى، تواجه السعودية تحديات أخرى على المستوى الداخلي، ما يجعلها حريصة على تجنب أي تصعيد قد يعقد من الأوضاع الأمنية الداخلية.
تباين المواقف بين الرياض وواشنطن
من الواضح أن المواقف الأمريكية والسعودية بشأن الملف اليمني لا تتماشى دائمًا، بينما كانت الولايات المتحدة تدعم المملكة بشكل كامل في بداية الصراع، إلا أن هناك تحولًا في المواقف في السنوات الأخيرة، فقد انتقدت الإدارة الأمريكية التدخل العسكري السعودي في اليمن، ودعت إلى ضرورة إيجاد حل سياسي سلمي للأزمة.
إدارة بايدن، على وجه الخصوص، تبنت سياسة أكثر تحفظًا ودعت إلى إنهاء الحرب في اليمن، حيث كان لها دور بارز في الضغط على السعودية من أجل وقف التصعيد والانتقال إلى الحلول الدبلوماسية، وفي المقابل، ترى واشنطن أن تهديد اليمن للملاحة الدولية في البحر الأحمر يمثل خطرًا على المصالح الأمريكية في المنطقة، ما يجعلها تدعو إلى زيادة الضغط على الرياض لمواجهة هذا التهديد بشكل حازم.
الرهانات الدبلوماسية وحلول السلام
على الرغم من الضغوط الأمريكية، تؤكد السعودية أنها تسعى إلى إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية بعيدًا عن المزيد من التصعيد العسكري، المملكة تدرك أن الحل العسكري لن يحل المشكلة بشكل دائم، ولذلك تبذل جهودًا لتحقيق التهدئة في المنطقة من خلال الوساطات الدولية والضغط من أجل الوصول إلى اتفاقات وقف إطلاق النار مع أنصار الله.
من خلال هذه الرؤية، تواصل الرياض البحث عن حلول سلمية مع أنصار الله عبر مفاوضات…