صراع النفوذ وحضرموت وأشياء أخرى !!
محمد الثريا
لا ترغب السعودية في السماح بحدوث ما قد يعكر صفو التفاهمات الحالية بشأن إنهاء الحرب والخروج من نفق الصراع باليمن، لذا كان من الطبيعي إتخاذها مؤخرا بضع خطوات إحترازية تحسبا لأي طارئ غير مرتب له .
فيما كانت الإمارات قد سعت منذ وقت مبكر إلى تأكيد نفوذها في الداخل رغبة في الظهور كقوة إقليمية مؤثرة وحاضرة على طاولة الحل السياسي، وهو أمر لم يرق للسعودية بصفتها قائدة التحالف القبول به كواقع مفروض ينافي رغبتها الحاضرة، ويزاحم هيمنتها التاريخية .
طيلة السنوات الماضية سنجد أن السعودية قد فضلت لإعتبارات عدة كما يبدو تأجيل التعامل مع ذلك الهاجس كواقع مقلق، لربما لم يصل الأمر حينها في نظر السعوديين إلى ضرورة التعاطي مع النفوذ الإماراتي المتزايد من بوابة التحدي المزعج .
مؤخرا، سيبدو أن حالة من تصادم المصالح وتضاد الرغبتين قد طرأت على مسار العلاقة بين الحليفين الخليجيين باليمن ليغدو ملمح التوتر والفتور عنوانا أبرز للعلاقة الراهنة بينهما، ويدلف القطبان على إثر ذلك نحو منحدر ريب الثقة وتحركات جس النبض المتبادلة .
وفي الواقع، أن تنامي الخلاف بين السعودية والإمارات خلال الفترة الأخيرة لم يكن أمرا مستغربا، ذلك أن تباين الرؤى بين البلدين بشأن قضايا عدة في ملف اليمن كان قد حدث منذ وقت مبكر، حيث ظلت هوة ذلك التباين خلال الفترات الماضية تتسع في حين سعى القطبان للإبقاء على اختلاف وجهات النظر بينهما مكتومة لسنوات داخل حيطان العلاقة الإستراتيجية المشتركة بينهما قبل أن يتحول الامر لاحقا الى بؤر توتر متزايد ويأخذ طريقه إلى واجهة المشهد .
حتى أن ما جاء قبل عام تقريبا في تقرير صحيفة وول ستريت الاميركية بشأن الخلاف الخليجي المستجد باليمن لم يكن مفاجئا حينها في نظر كثير من المهتمين .
لكن ومع قطعها أشواطا متقدمة في منحى التقارب مع الحوثيين فقد بدا متاحا للسعودية إمكانية العودة إلى تصفية حساباتها المعلقة، والإعلان بوضوح عن طبيعة رغبتها في المناطق المحررة، وهنا لن يكون أولى في ذهن السعوديين من ملف حضرموت لتأكيد تلك الرغبة، أولا للأهمية الإستراتيجية التي تمثلها تلك المحافظة، وثانيا لشدة تعبير الرسالة التي سيتم توجيهها من هناك بإتجاه الحليف المريب أبوظبي .
من المؤكد أن حضرموت لن تكون منعطف التوتر الوحيد في مشهد تطورات العلاقة بين السعودية والإمارات مستقبلا، إذ ثمة بالفعل ملفات عدة كان قد تم تجميد الخلاف الخليجي بشأنها طوال الفترة الماضية، وبات من المتوقع في ظل المتغيرات الجديدة تحولها إلى متوالية توترات متنامية وصولا إلى مستوى تأزيم العلاقة بين القطبين الخليجيين في اليمن، بل وربما تسرب الخلاف الحاد إلى ملفات تتعدى ملف علاقتهما باليمن وحسب، هذا إذا افترضنا أن ما يحدث بينهما حاليا في بعض ملف الإقليم الساخنة لا يتجاوز طور تباين الرؤى فقط .
غير أن ذلك كله لايعني بالمطلق أن التحركات النشطة التي يبديها قطبا التحالف مؤخرا وحدها من سيحدد مسار الصراع باليمن، فهناك لازالت القوتان الرابضتان أميركا وبريطانيا بدرجة أساس من تمتلكان خيوط اللعبة وتشكلان الكتلة الأهم في جسد القرار الدولي الخاص بمصير الأزمة اليمنية؛ وهو ما يؤكد يقينا أن تحركات الجوار لاتجري بمعزلا عن إرادة الكبار وقرارهم بهذا الشأن .
ولكن بماذا يمكن وصف العلاقة بين الموقف الأميركي من الصراع اليمني وتحركات القطبين الخليجيين في الأونة الاخيرة؟
في رأيي، أن الادارة الاميركية خلال الفترة الأخيرة كانت قد اتخذت قرار (الإنتقال من إستراتيجية الإستنزاف إلى إستراتيجية تفكيك الأحلاف) تمهيدا لترجمة رغبتها الخاصة على أرض الواقع بالتزامن من تدشين مسار سياسي جديد لإدارة وحل الصراع باليمن، وإلى ذلك سنجد أن ما يحدث مع الحليفين الخليجيين ليس سوى جزء حيويا من تلك الإستراتيجية، لاسيما وأن واشنطن هي من يرعى حوارات عمان، منعطف الصراع الجديد ونقطة الخلاف البارزة بين قطبي التحالف في اليمن .