التحركات السعودية داخل الميدان الحضرمي .. تحد للمشروع الجنوبي
فريدة أحمد
في 20 يونيو الحالي، أُعلن من العاصمة السعودية الرياض، عن تشكيل “مجلس حضرموت الوطني”، بحضور محافظ محافظة حضرموت “مبخوت بن ماضي”، والسفير السعودي لدى اليمن، “محمد آل جابر”، بعد شهر من التباحث والمشاورات بين شخصيات وقوى حضرمية سياسية ومجتمعية. لم تكن خطوة تأسيس المجلس الجديد مفاجئة، كون الشخصيات الحضرمية اجتمعت في الأساس من أجل حشد موقف موّحد بشأن حضرموت. خاصة وأن مغادرتها إلى الرياض جاءت كرد فعل بدعم سعودي، على وصول نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئيس الانتقالي الجنوبي “عيدروس الزبيدي”، وأعضاء هيئة رئاسته إلى المكلا، ضمن جهود الانتقالي لتعزيز الصف الجنوبي بعد نجاح اللقاء التشاوري الجنوبي في العاصمة عدن، وعقب انضمام محافظ حضرموت السابق، اللواء فرج البحسني كنائب لرئيس المجلس الانتقالي.
تبلور عن المشاورات الحضرمية التي انعقدت في الرياض لأسابيع، الخروج بوثيقتين: الأولى، وثيقة سياسية وحقوقية، نصّت على تلبية تطلعات أبناء محافظة حضرموت وحقهم في إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية، والإقرار بالتعددية السياسية والاجتماعية في حضرموت، مؤكدة التزامها بالأهداف المشتركة مع التحالف العربي وإعلان نقل السلطة، وحق أبناءها بالمشاركة العادلة في صناعة القرار السيادي. والثانية، ميثاق شرف حضرمي مقتضب، تعهد بالعمل بشكل موحّد وفقًا للوثيقة السياسية والحقوقية. كما تمّ إنشاء هيئة تأسيسية للمجلس الحضرمي، مكوّنة من سبعة أشخاص برئاسة وزير النقل السابق، “بدر باسلمة”.
سبق الإعلان لقاء للشخصيات الحضرمية المتواجدة في الرياض، مع رئيس مجلس القيادة “رشاد العليمي”، الذي ينتمي للشمال، حيث أشاد بالأجواء الإيجابية التي سادت المشاورات الحضرمية ومكوناتها، “للنأي بمحافظة حضرموت والمناطق المحررة عن أي نزاعات بينية”. وقد باركت بعض الشخصيات اليمنية والحضرمية خطوة إنشاء مجلس حضرموت الوطني، منها نائب رئيس مجلس القيادة “عبدالله العليمي” عن حزب الإصلاح الإسلامي، الذي اعتبرها “خطوة بناءة تستدعي من كل المحافظات الأخرى توحيد صفوفها لتحظى بالمكانة التي تليق بها في المشروع الوطني”. الأمر الذي يُفهم منه بأنّه دعوة صريحة للمحافظات الأخرى بإنشاء مجالس شبيهة، يمكن أن يؤدي إنشاءها لمزيد من الانقسامات المحلية، عوضًا عن توحيد الصف، وفقًا لمراقبين. كما أشاد حزب الإصلاح فرع حضرموت بالمكوّن الجديد.
بعد تقليص نفوذه العسكري والشعبي في جنوب اليمن، يسعى حزب الإصلاح إلى الدخول إلى الجنوب مرة أخرى، من خلال المكونات ذات الهويات المحلية، التي لا تحمل طابعا سياسيا أو أيدولوجيا واضحا لبعض الأحزاب اليمنية سيئة السمعة بين الجنوبيين. تبعًا لذلك، اعتبر كثير من الجنوبيين أن إعلان مجلس كهذا بمثل هذا التوقيت، واحتكاره تمثيل مكونات ومواطني حضرموت، الهدف منه زعزعة الجهود التي يقوم بها المجلس الانتقالي من خلال تعزيزه الصف الجنوبي وفتح سبل للحوار البيني بين مختلف الأطراف الجنوبية بما فيها الحضرمية.
وخلال ندوة استضافها المعهد الملكي البريطاني “تشاتام هاوس” في العاصمة لندن، قال عيدروس الزبيدي، أنّ التفاصيل الكاملة لا زالت غير متوفرة، بشأن “المجلس الجديد”. مشيرا إلى أن “المجلس الانتقالي انتهج خيار الحوار مع كافة المكونات في الجنوب، وقد بدأ المرحلة الأولى مع الكيانات التي تؤمن بحتمية استعادة الدولة الجنوبية وسيواصل الحوار مع بقية القوى الأخرى”. كما رأى نائب رئيس مجلس القيادة اللواء “فرج البحسني”، الذي انضم مؤخرًا للانتقالي الجنوبي، بأنّ “تعدد المشاريع والرؤى والإقصاء، لن يزيدنا إلا تفككًا ونحن لسنا بحاجة لذلك”. وهي مواقف مبدئية تعبّر عن عدم الرضا عن الخطوة الحضرمية الأخيرة.
وفي مقابل تشاؤم بعض الجنوبيين من إشهار “مجلس حضرموت الوطني”من أي تبعات قد تمزّق النسيج المجتمعي وتشتت الإرادة الشعبية، يتفاءل آخرون بأنّها خطوة جيدة، كونها توحّد المكونات الحضرمية تحت مجلس واحد، عوضًا عن عشرات المكوّنات الحضرمية في الداخل والخارج، التي أضاعت مطالب حضرموت وخصوصيتها نتيجة الشتات في الرؤية والأهداف، الأمر الذي ضاعف من معاناة المحافظة على المستوى الأمني والخدماتي في الكهرباء والصحة والتعليم والتنمية.
عقب يومين فقط من إنشاء هذا المجلس، تم الإعلان، الجمعة، في وادي حضرموت عن ملتقى يمثّل قبائل “نهد” الحضرمية يرفع شعار “من أجل حضرموت والجنوب”. ويمكن اعتبار هذا الإعلان أحد النتائج السلبية التي تهدد المجتمعات المحلية في حضرموت. حتى الآن، من غير الواضح تماما، كيف سينعكس المجلس الجديد على الشارع الحضرمي، ومدى استجابة الجماهير الحضرمية لأجندته، وما إذا كان فعليًا سيحقق تغييرًا حقيقيًا من أجل حضرموت، وبالذات أمام من يطمحون لنفوذ أوسع في المحافظة كالمجلس الانتقالي الجنوبي. بيد أنّ السؤال الأهم الذي يمكن طرحه للأخير، كيف يمكن مواجهة هذه المتغيرات، لا سيّما إن حاول المجلس الحضرمي استقطاب شخصيات حضرمية ذات ثقل كبير مقربة من المجلس الانتقالي الجنوبي.
“سببّت التحركات السعودية داخل الميدان الحضرمي تشتيتًا وضغوطًا إضافية على المجلس الانتقالي والمجتمع الحضرمي ككل، نتيجة خلافها مع الإمارات هناك”
تأثير سعودي ومجلسين
سببّت التحركات السعودية داخل الميدان الحضرمي تشتيتًا وضغوطًا إضافية على المجلس الانتقالي والمجتمع الحضرمي ككل، نتيجة خلافها مع الإمارات هناك، مما زاد من احتمالية خطورة الارتدادات العسكرية على المجلس الانتقالي فيما إذا حاول الدخول في مواجهة مع قوات المنطقة العسكرية الأولى؛ التي يطالب الحضارم برحيلها من وادي وصحراء حضرموت. فقد هددت السعودية، بالفعل، في أغسطس الماضي، باستهداف أي قوات جنوبية تحاول الوصول إلى مواقع المنطقة العسكرية الأولى، وفقا لمصادر مطلّعة.
وبالمحصلة، وفقا لصحيفة الجارديان البريطانية، يعمل السعوديون بنشاط للحد من نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي في منطقة حضرموت الغنية بالنفط.
إنّ أكثر ما ضاعف من تحديات المجلس الانتقالي في حضرموت، هو تردده في حسم ملفاته السياسية والعسكرية في الوادي والصحراء، وعلى الأرجح أنّ الموقف سيصبح أكبر من قدرته على المواجهة في الفترة القادمة، خاصة بعد نجاح السعودية في إنشاء هذا المجلس، وكذا في ظل أنباء متواترة عن نية الرياض إحلال قوات “درع الوطن” السلفية، بقيادة اسمية من “رشاد العليمي”، مكان قوات المنطقة العسكرية الأولى التي يديرها حزب الإصلاح الإسلامي، أو مكان جانب من هذه القوات، ضمن صفقة مرضية. على الرغم من أنّ وثائق المكون الحضرمي الجديد تجاهلت تماما، أي إشارة للقوات العسكرية الشمالية في المحافظة. كما لم تؤكد هذه الوثائق على ضرورة إدارة الحضارم لشؤونهم العسكرية، كما فعلت في الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية. وهذا يثير المخاوف من الأهداف الحقيقية من وراء تشكيله.
في حقيقة الأمر، يعتمد جزء كبير من الشارع الحضرمي على المجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره حاملًا سياسيًا يملك قاعدة شعبية واسعة في مختلف محافظات الجنوب، لا سيّما في ظل تعدد المكونات الحضرمية واختلاف مشاريعها. لذا يمثل تشكيل مجلس حضرمي جديد تحديا للانتقالي، خاصة، إذا ما لجأ المجلس الجديد لتبني مطالب الشارع هناك، وبوجود التأثير السعودي على رئيس المجلس الرئاسي والحكومة.
تمثّل المنطقة العسكرية الأولى تحديا حاسما تجاه المجلس الحضرمي واختبارا حقيقيا، إذا ما كان لديه استعدادا لرفع سقف مطالبه برحيل قوات المنطقة الأولى أم بقائها، وفيما إذا كان القرار، فعلا، حضرميًا وليس سعوديا، خاصة وأنّ القوات التي يمكن إحلالها قد تحمل ولاءًا للسعودية؛ بغض النظر عن أهداف الرياض في حضرموت، وفيما إذا كانت ستحسم هذا الملف أم سترحّله مؤقتًا.
بات واضحًا من خلال سعي الرياض الحثيث لخلق تأثير مباشر في حضرموت، أنّ المجلس مشروع سعودي قاطع، وقد تعزز هذه الخطوة من انقسام الشارع الحضرمي، خصوصا أنّ السعودية قد تستفيد من تأثير عشرات رجال الأعمال السعوديين الذي تعود أصولهم إلى حضرموت. غير أن العامل الحاسم والأهم والذي لا يمكن أن يظهر على المدى القريب، هو مدى إمكانية تماسك مجلس حضرموت الوطني من الداخل في ظل التباينات في المشاريع بين أعضاءه، ذلك مقارنة بتماسك المجلس الانتقالي ووحدة مشروعه السياسي وأهدافه الوطنية الواضحة. كما أنّ نجاح المجلس الحضرمي الجديد مرتبط بمدى فاعلية الدعم السعودية واستمراريته، خاصة وأنّه مشوب بكثير من البيروقراطية. فضلًا عن محاولات التوغل التي يمكن أن تحدث باتجاه المجلس الحضرمي، إما لصالح الانتقالي الجنوبي، أو “الإخوان المسلمين”، الذين يسيطرون على الوادي والصحراء. الأمر الذي قد يؤثر على أداء وفاعلية عمل المجلس الحضرمي، ويفقد زخمه مع الوقت. كما إنّ الجماعات المتشددة كتنظيم القاعدة وداعش، التي تتخذ بعض عناصرها من وادي حضرموت معقلا لها، قد تستفيد من حالة الانقسام المجتمعي في حضرموت وتعزز من نفوذها في المحافظة.
قد تبدو الميزة الأساسية، للوهلة الأولى، لدى مجلس حضرموت، أنّه يلعب في مساحته السياسية وبين جمهوره، وبشكلٍ مساعد، سيستفيد من خطاب الهوية والديمغرافية الحضرمية. غير أنّه في حال عدم نجاح تجربة المجلس الجديد على المدى البعيد، سيقوّي ذلك من موقف المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، ذلك من منطلق أنّ الجماهير عادةً تتخلى عن البدائل التي تنشأ نتيجة الخلافات، أو تحاول لم الشتات نتيجة فشل مشاريعها. سيساعد وجود شخصيات حضرمية مؤثرة ولها وزن داخل الانتقالي الجنوبي، على أن تكون البديل الأنسب بالنسبة للشارع الحضرمي.
“كانت هناك تجارب متعددة باءت بالفشل، مثل تشكيل الائتلاف الوطني الجنوبي بدعم من الحكومة اليمنية والمملكة العربية السعودية، عقب تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي بعام واحد.”
هل يوجد مشروع سياسي؟
يبدو أنّ المشروع المعلن من قبل مجلس حضرموت الوطني ما زال يستخدم مطالب حضرموت ومسؤولية الدولة في معالجة تلك المظالم، وحق المجتمع المحلي في تقرير وإدارة شؤونه، وتحقيق نموّه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ذلك وفقًا لما جاء في الوثيقة السياسية والحقوقية. ومع ذلك، قد يجابه المجلس الحضرمي معضلة في مواجهة غالبية الحضارم الذين يتمسكون بمشروع استقلال الجنوب عن الشمال، لضبابية ملامح المشروع السياسي للمجلس الجديد، كما يمكن أن يدفع ذلك الحضارم للتمسك بالمجلس الانتقالي الجنوبي. لكن ذلك لا يعني بالمحصّله أن بعض السكّان قد لا يؤيد هذا المجلس الجديد.
بالمقابل هناك من يرى أنّ المجلس ظهر متمسكًا بالوحدة مع الشمال بوضع فيدرالي، وفقًا لرئيس الوزراء السابق “أحمد بن دغر”، الذي صرّح خلال ترحيبه بالمجلس الوليد، بأن الحضارم لم “يسقطوا المشروع الوطني المعبر عنه في مخرجات الحوار الوطني الشامل”، ما يُفهم منه بأن حضرموت ستبقى ضمن نطاق مشروع اليمن الاتحادي. وطالما أن لا مشروع سياسي معلن حتى الآن من قبل المجلس الجديد، سيسمح ذلك للآخرين من خارج المجلس بالتأثير سلبًا، ومحاولة استغلال ثغرة اختلاف المشاريع التي يحملها الحضارم داخل المجلس.
من المهم القول، إنّ اتخاذ المجلس الحضرمي خيار اليمن الاتحادي الناتج عن مخرجات الحوار الوطني، سيؤدي هذا الأمر لإضعافه، إذ من الصعب تحقيق إدارة ذاتية وإقليم في حضرموت مع بقاء الشمال مع الحوثيين. على الأرجح أن حصوله على الامتيازات الفيدرالية من الشرعية سيزيد من قوته ونفوذه، إلى جانب الدعم السعودي، لكنّه في ذات الوقت، سيثير السخط الشعبي الجنوبي والحضرمي، لأن القوة التي يمكن أن يبنيها المجلس الحضرمي لنفسه ستكون من الامتيازات التي ستحصل عليها حضرموت من شركائها المناهضين للوحدة، لكنها في المحصّله المستقبلية تدعم مشروع الوحدة مع الشمال المسيطر عليه من قبل الحوثيين، وبالذات إن واجهت في ذلك ضغطًا سعوديًا. الأمر الذي سيُدخل حضرموت في مشروع سياسي بلا هوية، وربما يؤدي إلى فشل مشروع مجلس حضرموت الوطني والانقلاب عليه نتيجة لهذه السياقات.
في نهاية المطاف، كل الاحتمالات المذكورة حال وقوعها يمكن أن تؤثر على مزاج الشارع الحضرمي، لأنّه حتى الآن، ما زال هذا المزاج مرتبطًا بالانحياز لكل ما هو حضرمي، لكن إذا شعر أن هناك من يحاول استغلال صوته وحقوقه وقراره باسم حضرموت، قد يقلب المعادلة على كل الأطراف المتصارعة، وهو ما يتعين على القوى الحضرمية والجنوبية بالذات مراجعة سياساتها تجاه حضرموت، ومراعاة حساسية وضعها في سياق النزاع الحاصل.
فريدة أحمد