احتفالات الجنوب بثورة أكتوبر: فقاعات مفرغة من قيم التحرر الوطني
المشهد الجنوبي الأول _ تقرير خاص
تزامنت الفعاليات الاحتفائية التي بدأت اليوم الخميس بذكرى ثورة أكتوبر التي انطلقت من جبال ردفان قبل 59 عاما ضد الاحتلال البريطاني للجنوب، مع ضراوة شهوة السيطرة لقوات التحالف وعديد قوى دولية لإحكام قبضتها على المناطق النفطية والاستراتيجية فيه.
في مديرية ردفان، محافظة لحج، حيث اندلعت شرارة الثورة من على جبالها الشماء، بدأت اليوم فعاليات مهرجان ردفان بمناسبة الذكرى التاسعة والخمسين لثورة 14 أكتوبر المجيدة، مثلما شهدت مديرية دار سعد في عدن فعالية احتفائية بذات المناسبة.
وفي حين منع المجلس الانتقالي الجنوبي في سقطرى، إقامة فعالية احتفائية بذكرى ثورة أكتوبر، كانت دعت إليها الحملة الوطنية مع مبادرة شباب سقطرى، يُتوقع أن تشهد مديرية سيئون، أكبر مدن وادي حضرموت، فعالية كبرى وصفوها منظموها بالمليونية.
فعالية سيئون المليونية التي يـُراد لها بدرجة أساسية طرد قوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة للإصلاح وإنهاء تواجده في وادي حضرموت، لا تنفك تشهد حمى شديدة بين بين الفصائل المؤيدين والمعارضين لإقامتها، وجلّهم من المليشيات المتصارعة والمتناحرة التي تعكس توجهات فرقاء المحتلين الجدد من التحالف.
بطبيعة الحال ستشهد عديد مديريات ومحافظات جنوبية فعاليات احتفائية بذكرى الثورة التي أجبرت الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عن جغرافيتها الشمس، غير أن المفارقة الكبرى التي ربما لن تغيب عن أذهان المشاركين فيها، أن جغرافيتهم الاستراتيجية ترزح الآن تحت نيران احتلال جديد.
وتزامنا مع هذه احتفالات الجنوبيين بذكرى اكتوبر، تشهد مناطقهم سعيا مكثفا لقوى الاحتلال الجديد للسيطرة على أكبر قدر من مساحتها الجغرافية وثرواتها النفطية.
فمن سقطرى التي تتواجد فيها قاعدة عسكرية إماراتية شارك في إنشائها جنود اسرائيليون إلى مطار الريان شرق المكلا، حيث القاعدة العسكرية الأخرى للإمارات حيث ينام جنود المارينز الأمريكيين مع أقرانهم الإماراتيين والبريطانيين، إلى التواجد العسكري الإماراتي الفرنسي السعودي في حضرموت وشبوة، ومحاولات التمدد السعودي في المهرة.. تبدو جغرافيا الجنوب فسيفساء بمختلف ألوان الطيف للمستعمرين الجدد الذي فتحوا أشداقهم لالتهام ثروات الجنوب، في ظل انهيار اقتصادي وتدهور حاد في مستويات المعيشة يكابدها المواطن الجنوبي وحده.
وعوضاً عن بريطانيا كمحتل متفرد للجنوب، خرج صاغرا بعد ثورة أكتوبر العام 1963، يعاني الجنوب من احتلال متعدد الجنسيات، لم يعد قاصرا على فرقاء التحالف: السعودية والإمارات بل امتد ليشمل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بل وحتى الكيان الصهيوني، الطامعة في نهب ثروات الجنوب والاستحواذ على مناطقه الحيوية والاستراتيجية.
والمؤكد أن حشود المشاركين في الفعاليات الاحتفائية مهما بلغت ضخامتها، لن تستطع منحها زخما تحررياً وطنيا، فيما واقعها لا يزال يتسيد فيه الأجنبي على الوطني، ويسعى جاهدا لإحلال قيمه وأفكاره وتوجهاته التي لا تخدم سوى اجندته الاستعمارية النهبوية.
ويبدو المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحوز الجغرافية الأكبر من الجنوب، هو الأكثر مدعاة للشفقة، فعلى الرغم من أن مكوناته ستشارك ضمن تلك الحشود المحتفية بخروج المستعمر القديم، إلا أنه سيواجه إشكالية وطنية، ومفارقة جوهرية: عن جدوى تلك الحشود والفعاليات المفرغة من محتواها الوطني، والتي لا تتجاوز فقاعات هوائية لا تجدي نفعا إن لم تمتلئ بالزخم الوطني وقيم التحرر والنضال ضد الاستعمار والاستبداد أيا كان نوعه، وفي أيما زمان ومكان.
ومثلما يجد الانتقالي الجنوبي نفسه أمام تلك المفارقات الجوهرية، فإن حال المجلس الرئاسي المدعوم من التحالف لن يكون أقل سوءا، باعتباره يوفر غطاءً للقواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية وكافة أشكال الوجود العسكري الأجنبي في الجنوب.
والحال، أن كلا الانتقالي والرئاسي، سيجدان نفسيهما، إن آجلا أو عاجلا يواجهان ذات المصير لكافة العملاء في كل عصر ومكان، ولعل الشاهد الأقرب: المصير الذي آل إليه السلاطين والموالين للاحتلال البريطاني آنذاك، وغيرهم من الوجاهات القبلية والمجتمعية.. بل أن مصير هؤلاء أشد شناعة كونهم الأكثر وضاعة وارتهانا لقوى الاحتلال الجديد.. والدلالة الدامغة الأكثر مضاءً ، وصول قوة إماراتية أمس لتأمين قصر معاشيق في عدن وهو القصر الذي يتخذه الرئاسي مكانا لا للحكم، وإنما فقط لتنفيذ إملاءات الخارج ضدا على مصالح الجنوب وقواه الوطنية.