طالبان: هل ستغير دول الخليج موقفها من الحركة بعد اكتساحها أفغانستان؟
المشهد الجنوبي الأول _ بي بي سي
أعلنت البحرين، بصفتها الرئيس الحالي لمجلس التعاون الخليجي، أنها ستبدأ مشاورات مع دول الخليج الأخرى بشأن الوضع في أفغانستان.
وبحسب وكالة أنباء البحرين، فقد كلّف مجلس الوزراء وزير الخارجية، عبد اللطيف الزيّاني، للتنسيق والتشاور مع دول المجلس إزاء تطوّرات الأوضاع في أفغانستان.
يأتي ذلك فيما تعيش دول مجلس التعاون الخليجي حالة من الترقب الشديد عشية إعلان حركة طالبان سيطرتها على أفغانستان، باستثناء قطر التي لعبت لسنوات دور الوسيط بين الحركة وواشنطن.
دور الوسيط هذا، حاولت الرياض وأبو ظبي لعبه لكنهما لم ينجحا بسبب رفض طالبان لما رأته ضغوطاً مارسها عليها البلدان، فحوّلت ملف المحادثات إلى قطر التي لعبت دوراً محورياً في السياسة الأفغانية واستضافت مكتب حركة طالبان منذ عام 2013 بالتنسيق الضمني مع واشنطن وجولات عدة من المفاوضات على مرّ السنين الماضية.
وفي ظل حكم حركة طالبان لأفغانستان وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، كانت السعودية والإمارات البلدين الخليجييْن الوحيدين اللذيْن اعترفا بطالبان،
تخطى مواضيع قد تهمك وواصل القراءة
مواضيع قد تهمك
إلا أنه بعد أحداث أيلول سبتمبر 2001 سحبت كلّ من الرياض وأبو ظبي اعترافيهما بحكومة طالبان، وسرعان ما دخلت القوات الأميركية إلى أفغانستان وأزاحت طالبان عن الساحة السياسية ولو بشكل جزئي.
وفي 2003 أرسلت الإمارات فرقة عسكرية تحت رعاية حلف الناتو، وشاركت في مهام التدريب وأحياناً المواجهة العسكرية ضد طالبان.
هل تصبح أفغانستان ملاذاً للإرهاب بعد سيطرة طالبان على السلطة؟
كيف تبدو الحياة في كابل بعد سقوطها في أيدي طالبان؟
والآن، ومع تبدّل المشهد السياسي الأفغاني لصالح طالبان، أصبحت المعادلة مختلفة وباتت للدول الخليجية حسابات أخرى غير واضحة المعالم حتى الساعة.
فقد دعت الإمارات التي شاركت قواتها في عمليات عسة ضد طالبان في مرحلة معينة، الأطراف الأفغانية إلى بذل الجهود لإرساء الأمن والاستقرار بشكل عاجل.
أما السعودية فقد دعت إلى حفظ الأمن واحترام خيارات الشعب الأفغاني بعد أن سحبت بعثتها الدبلوماسية من البلاد دون أن يعني ذلك قطعاً للعلاقات الدبلوماسية.
ماذا نعرف عن أفغانستان؟
من هو هبة الله أخوند زاده زعيم طالبان؟
وفي حديث مع بي بي سي نيوز عربي، علّق المحلل العسكري والاستراتيجي السعودي، محمد الحربي، حول هذا الموضوع قائلاً: ” إن العالم كلّه يترقب وينتظر ما ستؤول إليه الأمور وإن أي علاقة سعودية مع طالبان تبقى رهناً بسلوك الأخيرة”، معتبراً أن سحب البعثة الدبلوماسية السعودية من كابل ليس إلا إجراءً بروتوكولياً نظراً للأوضاع المضطربة في أفغانستان من دون أن يعني ذلك قطعاً رسمياً للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين في ظل وضعها المستجد.
بدوره، رأى الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشطن، حسين إيبيش، أن الرياض تصرّفت بحكمة وفقاً للأوضاع الراهنة وأن ذلك يترك لها مجالاً للتحرّك مستقبلاً إذا أرادت استعادة تمثيلها الدبلوماسي أو تقليصه أو حتى إلغاءه، لافتاً إلى أن الرياض وأبو ظبي ليستا “فرحتين” بالوضع الأفغاني الجديد إذ ينظر البلدان إزاء التطوّرات الأخيرة بحذر شديد.
وقال إيبيش لبي بي سي عربي إن “البحرين والكويت حالهما كحال السعودية والإمارات بخلاف قطر التي وصفها بالرابح المزدوج، أولاً بسبب تعاطفها مع فكر الإخوان المسلمين وثانياً بسبب تمكّنها من ضمان مكانتها كساحة للمفاوضات بين طالبان وواشنطن، معتبراً أن التحدي الجديد أمام الدوحة يكمن في لعبها دور الوسيط بين طالبان ودول العالم”.
وكانت قطر قد دعت في بيان لها عشية سيطرة طالبان على الحكم، إلى انتقال سلمي للسلطة وضمان سلامة المدنيين، لكن المفاجأة الكبرى جاءت من سلطنة عمان التي رحّب مفتيها أحمد بن حمد الخليلي بما سماه الفتح المبين وهو ما اعتبره الباحث في معهد دول الخليج العربية حسين إيبيش بمثابة ضوء أخضر من السلطان العماني، هيثم بن طارق، واعترافاً عمانياً شبه رسمي بحكم طالبان.
هذه المتغيّرات على الساحة الأفغانية لن تقتصر على الداخل الأفغاني فحسب، فهي بصدد رسم مرحلة جيوسياسية وعقائدية جديدة في المنطقة، إذ يرى المحلل العسكري والاستراتيجي السعودي محمد الحربي أن لأفغانستان حدوداً طويلة مع باكستان وهي حليف استراتيجي للسعودية كما لها حدود مع إيران الذي برأيه ستتعامل بحذر مع الملف الأفغاني.
أزمة أفغانستان: كيف شاهدت أمريكا طالبان تنتصر في الحرب
كم كلفت الحرب في أفغانستان واشنطن وحلفاءها؟
من جهة أخرى وصف الباحث، حسين إيبيش، في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي ما جرى بالضربة الكبرى لدول الخليج لاسيما تلك التي ليست على ودّ مع الفكر الإسلامي وفي مقدمها السعودية والإمارات وقال: ” إن سيطرة حركة طالبان على الحكم سيشجّع الإسلاميين على التوسّع لاسيما السنة منهم حتى الذين لا يحبون طالبان”، لأن سيطرة طالبان تعزّز برأيه فكرة نجاح أي مشروع سياسي إسلامي وتشكل أداةً فاعلة لتحريك المقاتلين الإسلاميين للاستيلاء على الحكم، مبدياً في الوقت عينه تخوّفه من إفراج طالبان عن سجناء القاعدة وغيرهم من سجون أفغانستان.
في المقابل اعتبر إيبيش أن الخاسر الأكبر من كل ما جرى هو إيران التي استطاعت التعايش في السنوات الماضية مع طالبان وإن بشكل غير مباشر وقال: ” لدى إيران حالياً صداع آخر عليها التعامل معه ومعركة أخرى عليها خوضها ربما من خلال حلفائها كجماعة الهزارة الشيعية في أفغانستان أو أي حليف آخر في البلاد” ، مستبعداً أي عمل عسكري بين الجانبين (إيران وطالبان) أقلّه في المرحلة الراهنة.
قصة مدينتين: ما وجه المقارنة بين سقوط كابل وسايغون؟
أشرف غني الأكاديمي الإصلاحي الذي فر من وجه طالبان
تقارير استخباراتية عالمية توقعّت في الآونة الأخيرة سيطرة طالبان على أفغانستان إنما ليس بتلك السرعة. وعن الانسحاب المفاجئ للقوات الأميركية يقول المحلل السعودي محمد الحربي إن الانسحاب الأميركي من أفغانستان كان انسحاباً تكتيكياً أكثر منه استراتيجياً، إذ وضعت واشنطن العالم أجمع في حال ترقّب وحيرة وقلق.
أما الباحث حسين إيبيش فرأى أن خطوة واشنطن تعني أنها تملّصت من “مشكلة” طالبان التي لطالما عانت منها وجعلتها “مشكلة” لكل من إيران والصين والهند، وهي أيضاً خطوة تحمل في طياتها رسالة جديدة مفادها أن الولايات المتحدة ليست حليفاً جديراً بالثقة وأنها مستعدة للمغادرة والتخلي عن حلفائها في أي وقت وهو وضعٌ قد يطرح بحسب اعتقاده، الكثير من التساؤلات لدى حلفائها في الخليج.