احتلال مستديم برعاية واشنطن: أبو ظبي تحرس المصالح الإسرائيلية في ميون

المشهد الجنوبي الأول/ رشيد الحداد

 

جريدة الأخبار

أعاد التقرير الذي نشرته وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية، في شأن إنشاء قاعدة جوية في جزيرة ميون التي تبعد بضعة كيلومترات عن مضيق باب المندب، تسليط الضوء على مساعي الإمارات إلى إدامة احتلالها لهذه الجزيرة وغيرها من الأرخبيلات اليمنية. وهي مساعٍ ليس الجانب الأميركي، الذي تفادت الوكالة ذكر أيّ دور له، بعيداً عنها، بل يمكن القول إنه المُحرّك الرئيس لها والمشرف عليها منذ العام 2015، لما للسيطرة على ميون من أهمية في «حماية مصالح الولايات المتحدة وضمان أمن إسرائيل»

أثار التقرير الذي نشرته وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية، قبل أيام، عن إنشاء قاعدة عسكرية جوّية في جزيرة ميون اليمنية المطلّة على مضيق باب المندب، من قِبَل أطراف أجنبيين، سخطاً شعبياً في مختلف المحافظات اليمنية ضدّ دول التحالف السعودي – الإماراتي، وحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، والميليشيات المحلية الموالية للإمارات في الساحل الغربي وباب المندب. وعلى هذه الخلفية، اتهم المئات من الناشطين اليمنيين الموالين لـ»التحالف» حكومة هادي بـ»الخيانة العظمى» والتفريط في سيادة اليمن وتهديد أمنه القومي، بل والأمن القومي العربي عموماً، على اعتبار أن من شأن ذلك تحقيق حلم إسرائيل في السيطرة على الجزيرة بغطاءٍ من دول «التحالف»، وتحديداً الإمارات، للمرّة الأولى منذ سبعينيات القرن الماضي.

وتعمّدت الوكالة، في تقريرها الذي أقرّت فيه بوقوف الإمارات وراء إنشاء تلك القاعدة في ميون، تجاهُلَ الدور الأميركي في احتلال الجزيرة أواخر عام 2015. وفي هذا الإطار، تفيد مصادر مطّلعة بأن دول «التحالف» تحرّكت في اتّجاه باب المندب بتوجيه وإشراف من القيادة المركزية الأميركية، بعدما أعلن الجانب الأميركي، في النصف الثاني من العام نفسه، جزيرة ميون منطقة عسكرية، ممهّداً بذلك لمشروع قاعدة جوّية تتحكّم في مضيق باب المندب، وتشرف عليها كلُّ من الولايات المتحدة وإسرائيل، بغطاء إماراتي، لتكونَ إحدى نقاط الارتكاز في عمليات التحشد الاستراتيجي الأميركي لمواجهة إيران وروسيا والصين. وخلال النصف الأخير من عام 2016، بدأ العمل الأميركي – الإسرائيلي، عبر أبو ظبي، على إنشاء القاعدة، بدءاً من بناء مدرج للطائرات بطول 2000 متر أُنجز أواخر عام 2017. ولكن قدرات المدرج كانت محدودة، وهو ما استدعى استبدال مدرج آخر به، أنشئ فعلياً بعد عَقْد الرياض مؤتمراً لـ»تعزيز أمن البحر الأحمر» في عام 2018، بمشاركة عدد من الدول، من بينها مصر. وبحسب المصادر نفسها، فإن «دول العدوان أقامت أكثر من ثمانية هنغارات عملاقة، واستبدلت المدرج الخاص بالطائرات الحربية الذي سبق إنشاؤه بمدرج أكبر لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الطائرات المعادية مع مرابضها».

في عام 2015، أعلن الجانب الأميركي ميون منطقة عسكرية، ممهّداً بذلك لمشروع القاعدة الجوّية

على أن الجزيرة التي لم يُرفع فيها العلم اليمني منذ احتلالها، تحتوي فناراً كبيراً في الجهة الشرقية لإرشاد السفن أصبح بدوره مهدّداً بالتوقّف. فعلى مدى السنوات الماضية، لم تُقدِّم دول الاحتلال أيّ خدمات للمواطنين، مع تحوُّل الجزيرة التي تبعد قرابة أربعة كيلومترات عن مدينة باب المندب، ونحو 20 كيلومتراً عن الممرّ الدولي، وتُقدَّر مساحتها بـ14 كيلومتراً مربّعاً بطول 5,5 كيلومترات، وعرض أربعة كيلومترات، إلى موطن للغرباء تحت غطاء الإمارات. وفي السنوات الأخيرة، تعرّض سكّان الجزيرة – الذين لا يتجاوز عددهم 400 نسمة – لحملات تهجير وتنكيل ممنهجة من قِبَل القوات الإماراتية والميليشيات الموالية لها. وفي هذا السياق، تقول مصادر حقوقية إن الإمارات سلّمت الجزيرة، عام 2016، لميليشيات جنوبية موالية لها، حاولت تهجير السكّان الأصليين إلى منطقة ذوباب الواقعة على بعد 25 كيلومتراً من المضيق، فقوبلت تلك المحاولات بالرفض، ما دفع أبو ظبي إلى التراجع عن التهجير القسري تحت ضغط المنظمات الحقوقية. ولكنّها عمدت، في المقابل، إلى تضييق خيارات العيش على سكّان الجزيرة البركانية الذين يعتمدون على صيد الأسماك، فمنعتهم من ممارسة الصيد التقليدي، وألقت القبض على الرافضين لسياسة التهجير بذرائع مختلفة، أبرزها ممارسة التهريب ونقل معلومات استخبارية عن تحرُّكات الإمارات وشركائها في الجزيرة. وتشير المصادر الحقوقية إلى أن القوات الإماراتية وميليشيات طارق صالح الموالية لها داهمت منازل معظم سكّان المدينة خلال العامين الماضيين، واستجوبت وسجنت العشرات منهم من دون مبرّر قانوني، مؤكدة أن أبو ظبي وشركاءها في القاعدة العسكرية في ميون كلّفوا ميليشيات طارق صالح، مطلع آذار/ مارس الماضي، بالتفاوض مع سكان الجزيرة لإغرائهم بحوافز مالية ومساكن بديلة في مدينة سكنية تمّ بناؤها بتمويل أميركي – إماراتي في منطقة يختل، بالقرب من مدينة المخا. وكان الهدف من إنشاء المدينة تهجير سكان عدد من الجزر الاستراتيجية في باب المندب لتحويلها إلى قواعد عسكرية أجنبية.
وعلى رغم إبلاغ جهات محلّية، حكومة هادي، بالتحرّكات الأميركية – البريطانية – الإسرائيلية، وبإنشاء أوّل قاعدة عسكرية مشتركة في جزيرة ميون، بالتزامن مع تحرُّكات مماثلة شهدها عدد من الجزر الواقعة بالقرب من باب المندب، كجزيرة حنيش الكبرى حيث تواجد قوات أجنبية وإماراتية منذ منتصف حزيران/ يونيو 2020، إلا أن حكومة هادي نفت، على لسان مدير مكتب الرئاسة في الرياض عبد الله العليمي، قبل أيّام، علمها بذلك. لكن مصادر محلية في مديرية المخا أكدت، لـ»الأخبار»، أن تحرُّكات أميركية وبريطانية ووفوداً عسكرية مصرية وأخرى يُعتقد أنها إسرائيلية زارت، بشكل مكثّف، ميون، خلال النصف الثاني من العام الفائت. وفي منتصف شباط/ فبراير الماضي، عندما وصلت سفينة تجارية محمَّلة بمعدّات عسكرية وعلى متنها ضبّاط إماراتيون وآخرون أجانب لم تُعرف هويتهم، إلى الجزيرة، تمّ إبلاغ الجهات المسؤولة التابعة لحكومة هادي، لكنها تجاهلت البلاغ. ولفتت المصادر إلى أن ثمّة غرف عمليات عسكرية في ميون يوجد فيها عناصر من عدد من الدول (سعوديون وإماراتيون وبريطانيون وأميركيون)، تمّ نقل بعضهم إلى الجزيرة مطلع العام الجاري، عبر مروحية إماراتية، من ميناء عصب الإريتري.
وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة «جيروزالم بوست» العبرية أن بناء القاعدة الأميركية – الإسرائيلية في جزيرة ميون قد بدأ. وقالت الصحيفة إن التطبيع بين إسرائيل ودول «التحالف»، وخصوصاً الإمارات، يجعل لإسرائيل مصلحة مباشرة في الحرب على اليمن، أكثر من أيّ وقت مضى. وأشارت إلى تقارير تؤكد نيّة الولايات المتحدة إنشاء قاعدة عسكرية في ميون بهدف «حماية مصالحها وضمان أمن إسرائيل»، لكون هذه الأخيرة وحليفتها الإماراتية تَعتبران مضيق باب المندب ذا أهمية استراتيجية رئيسة في ضمان الوصول إلى المحيط الهندي وما وراءه

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com