عبود الشعبي يكتب / ثورة الجياع!

المشهد الجنوبي الأول / عبود الشعبي

عدن التي قيل عنها العاصمة المؤقتة، يخرج المواطن من بيته وجوّاله “طافي”، لأن البطارية صفر، فيرجع والكهرباء “طافي”، ثم يُمسي “يشحت” الشَحْن من ماطور جاره.
وعند العودة ربما قالت له أُم العيال: خزّان الماء “فاضي”، فيعرِّج الآدمي إلى فرزة “الوايتات” يبحث عن “بوزة”، يشتري الماء بفلوس، ثم يذهب لتعبئة الخزّان الفارغ في المنزل، فهو حائر بين “فاضي وطافي”.
صاحب “الدبّاب” مشغول منذ الصباح الباكر بملاحقة البنزين عند الباعة على قارعة الطريق، السعر يزيد وينقص، والزبون “بائس” يريد يركب بمائة أو مائتين.
وكم تشاجر السائق والراكب في الأيام الماضية، حتى كُتب المدرسة تخرج من المطابع إلى البسطات، عُدِمَت في مكتبة المدرسة، وتوفرت في السوق، باعة البترول يشترون من محطّات الدولة، وباعة الكُتب يشترون من مطابع الحكومة.
المواطن في هذا البلد من صنف “الغارمين” فوق ظهره حق الإيجار وحق البقّالة وحق الصيدلية وحق الباص الذي يحمل الأولاد إلى المدرسة.
قال إعلام الزيف عن مظاهرة معاشيق “تخادُم” مع جماعة الحوثي.
بينما خلال هذا الأسبوع صعد سعر الدقيق 50 كيلو إلى 23 ألف ريال، وسعر دبّة الزيت 20 لتراً إلى 24 ألف ريال يمني.. تبّاً لكم.
كثير من الفقراء يقتاتون من المساعدات وخير المنظمات، يصطفون ساعات في الطوابير، يحفظون أرقام وبيانات كروت الإغاثة، وينسون رقم بطائق الهويّة والرقم الوطني.
قال البردوني:
مواطنٌ بلا وطن
لأنه من اليمن!
الذين خرجوا للتظاهر في معاشيق ليس لهم علاقة بالمولات والسوبرات ولا مراكز الملابس الفخمة ولا مطاعم البروست والمحشي، تلك الأمكنة من نصيب أصحاب الكروش الكبيرة والأوداج المنتفخة.
ينسى محلّل التفاهة أن المواطن خرج في شعبان ليلفت انتباه الوزارة إلى أن رمضان على الأبواب، وأنه موسم فضيل يحتاج إلى استقبال يليق بعظمته، بينما يُصادر “الغلاء” كل شعور بالاحتفال والفَرَح.
نسي محلل الغفلة أن العسكر بلا راتب وأن قطاعاً عريضاً من الذين خرجوا إلى معاشيق محرومون من حق الإعاشة بعد إيقاف رواتبهم وقد غرقوا في بحر من الديون، وضاقت عليهم الأرض بما رحُبَت.
الموظف الذي يستلم راتبه بانتظام نهاية الشهر يشتري “راشان” بالقُطمة إذا حالفهُ الحظ، والمحروم من راتبه من أين لهُ أن يشتري بالكيلو؟.
أطفال المسلمين في هذا البلد يريدون أرزاً وحليباً وسُكّراً وشيئاً من الأجبان والزبادي والفاكهة، وبلدنا الذي قيل إنه وافر الخير حكّامه يمنعون عنا الخير والعطيّة، حتى العالم الغريب والبعيد يأسى لمأساتنا.
الذين يغضبون في الشارع من كل الأحزاب والتيارات والمكوّنات والمستقلين طحنهم الدولار، وألقى بهم في مفاوز الفقر والفاقة والعَوَز.
ما على الانتقالي ملامة إنْ قادهم بصورة حضارية إلى مقر الحكومة ثم يعودون بسلام، وقد تظاهروا بسلام بلا فوضى ولا تخريب ولا صدام مع العسكر.
يا معاشيق هذه بعض ثورة الجياع.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com