تركيا باقية في خليج عدن رغم التهدئة مع السعودية
المشهد الجنوبي الأول _ متابعات
لا يبدو أن تركيا ستتوقف عن أجندتها المثيرة للقلق في اليمن والقرن الأفريقي بالرغم من خطاب التهدئة مع السعودية ورغبة أنقرة في الاستفادة من المصالحة الخليجية، وهذا ما كشف عنه قرار الرئاسة التركية تمديد الوجود العسكري التركي في المنطقة.
وأرسلت الرئاسة التركية مذكرة إلى البرلمان لتمديد مهمة قوات البحرية التركية في خليج عدن وبحر العرب والمياه الإقليمية للصومال عاما إضافيا اعتبارا من 10 فبراير 2021.
وقال مراقبون سياسيون إن أنقرة تعتمد أسلوبين متناقضين في العلاقة مع السعودية، الأول يقوم على المداهنة وإظهار حسن النوايا وتجاوز مخلفات أزمة جمال خاشقجي، والثاني يعتمد على الاستمرار في فرض الأمر الواقع.
واعتبر المراقبون أن قرار تمديد مهمة القوات في تلك المناطق هو تذكير للسعودية بأن الترتيبات الجارية للمصالحة أو تهدئة التوتر معها لا تعني أن تركيا تخلت عن دورها في منطقة القرن الأفريقي وأن ما خسرته في السودان بعد استبعادها من قاعدة سواكن، سيتم تعويضه في اليمن والصومال.
لورا بيتل: أردوغان لا يبدو مستعدا لتقديم تنازلات إلى دول الشرق الأوسط
وسبق لتركيا أن أعلنت دعمها للمصالحة الخليجية، وقالت إن هذه المصالحة ستوفر لها فرصة للعودة إلى المنطقة من الباب الواسع، إلا أنها لم تقم بأي خطوات لإظهار حسن النوايا سياسيا وإعلاميا، وخاصة على أرض الواقع من خلال شبكة علاقاتها في اليمن أو القرن الأفريقي.
ويساهم الدعم التركي لمجاميع وميليشيات مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في منع تنفيذ اتفاق الرياض والتهدئة داخل جبهة “الشرعية” وفق خطة سعودية تهدف إلى تسريع الحل السياسي في اليمن، ورعاية تسوية تمكّنها من ضمان أمنها القومي والحد من نفوذ إيران في المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية.
وتقول تقارير إعلامية إن تركيا تدعم استمرار الفوضى في اليمن حتى تنجح في الحصول على موقع إستراتيجي لها في المنطقة، وأنها تقف وراء سيطرة الإخوان على محافظة شبوة الغنية بالنفط، والتي تطل على ساحل بحر العرب، وأنها قد ساعدت على إنشاء مشروع ميناء قنا الذي سيعطيها حرية أكبر في تنفيذ خططها في اليمن أو في المنطقة.
كما ضاعفت أنقرة حضورَها الاستخباري في المنطقة من خلال إرسال ضباط أمن تحت عناوين مختلفة، منها خاصة البعد الإنساني مثل “هيئة الإغاثة الإنسانية” التركية.
ولا يقف الأمر عند اليمن وتعطيل تسوية سياسية تمكن الرياض من الخروج بأخف الأضرار، فالأنشطة التركية المعرقلة لمصالح السعودية ودول خليجية أخرى باتت أكثر وضوحا في القرن الأفريقي من خلال التركيز على التمركز في الصومال وجيبوتي.
ويقول محللون سياسيون إن الأتراك يهدفون إلى التحكم في مرافئ باب المندب بما فيها موانئ جيبوتي وبربرا في جمهورية أرض الصومال وميناء مقديشو، ما يسهّل عليهم التحكم في الواردات والصادرات من القرن الأفريقي، وهو ما يهدد مصالح دول خليجية سعت في السنوات الأخيرة إلى تطوير علاقتها مع دول المنطقة.
أنشطة مثيرة للقلق
وأقامت تركيا قاعدة عسكرية كبيرة في العاصمة الصومالية مقديشو لتدريب الجنود النظاميين. وبلغت نفقات إقامة القاعدة حوالي خمسين مليون دولار حسب بعض المصادر، ويمكنها أن تؤوي حوالي 1500 جندي وتقدّم لهم التدريب في وقت واحد.
وتبلغ مساحة القاعدة أربعة كيلومترات مربعة، وهي قادرة على استقبال قطع بحرية وطائرات عسكرية إلى جانب قوات كوماندوس.
وتقدّم تركيا السلاح والعتاد إلى القوات التي تقوم بتدريبها في الصومال، وبحجة التدريب تعمل على توسيع نفوذها هناك واستغلال ثروات البلاد.
وبالتوازي مع ذلك تعمل أنقرة على انتزاع مواقع حيوية في جيبوتي من بوابة الدعم الاقتصادي السخي، وتدفع رجال الأعمال إلى المساهمة في المنطقة الصناعية الكبرى، وتسعى لإحداث الاختراق التعليمي والديني الناعم.
ويعتقد المحللون أن الهدف التركي هو إظهار القدرة على تلافي الخسائر التي تلقتها أنقرة بسبب سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان التي تقوم على التصعيد وتوتير علاقات بلاده مع الغرب والخليج في الوقت نفسه، لافتين إلى أنه يحاول الآن التعويض من خلال خطاب مخادع لا يؤدي إلى أي تنازلات.
وتقول لورا بيتل، الكاتبة في صحيفة فاينانشال تايمز، “يظل من غير الواضح ما إذا كان أردوغان مستعدا أو قادرا على تقديم تنازلات بشأن القضايا التي ابتليت بها علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط، أو ما إذا كانت اللغة التصالحية المكتشفة حديثا ستفسح المجال قريبا لتجديد حدة التوتر”.