عدن.. لهيب الأسعار يُقزّم رغيف العيش وينهك سكان المدينة..تقرير
المشهد الجنوبي الأول ــ متابعات
وسط ازدحام المخبز اليمني في حي “الزعفران” بمدينة كريتر يقف “حلمي خالد” بين مغربٍ وعشاء أمام الفرن كعادته مُمسكاً بورقة نقدية فئة (500) ريال، ليشتري عدد (25) قرصاً من “الروتي”.
لم يعد هذا المبلغ يجدي نفعاً بالنسبة لأسرة حلمي المكونة من خمسة أفراد، والتي اعتادت على شراء “الروتي” مرتين يومياً مثل بقية الأسر، وتزامناً مع ارتفاع أسعار جميع السلع الغذائية إلى الضعف 100 %، بما فيها أسعار الروتي.. هذه السلعة الضرورية التي فقدت وزنها أيضاً.
يقول حلمي متذمراً، “أقف كل يوم أمام الفرن لأشتري الروتي أوقات القراع (وجبة الإفطار) والعشاء بخمسمائة ريال لكل منهما، وبالرغم من ارتفاع سعر الروتي إلى عشرين ريالاً للقرص الواحد إلا أن إنقاص الوزن كارثة أخرى.
يتابع: كُنا قبل اندلاع الحرب نشتري الروتي بسعر 15 ريال أي أن مبلغ 375 ريال كفيلة بحصولك على 25 قرصاً، بالإضافة إلى أن حجمه ووزنه مناسبان بخلاف أحجام وأوزان الروتي في الوقت الحاضر والذي صار حجمه ووزنه يضاهي حجم القلم.
من جانبه يقول مالك أحد المخابز إن هذا الغلاء طبيعي بسبب ارتفاع أسعار الدقيق، وأنه مواطن قبل أن يكون تاجراً، حيث يتوق لإعادة أسعار الدقيق إلى سابق عهده قبل الحرب والذي كان بمبلغ (4300) ريال فقط.
ويضيف طالباً عدم الإفصاح عن اسمه واسم مخبزه “أشتري الكيس الدقيق بسعر(10700) ريالاً بعد الارتفاع، إضافةً إلى ارتفاع أسعار كيس الخميرة من (250) ريال قبل الحرب إلى (850) بعدها، أي أن العمل بالسعر السابق للخبز أو الروتي والتقيد بالوزن المحدد غير مجدية بالنسبة لملاك الأفران”.
وطالب التاجر “الجهات المختصة بإرجاع سعر الكيس الدقيق إلى سابق عهده كي يلتزم معها ملاك الأفران بالتسعيرة المحددة بالإضافة إلى الأوزان، مذكراً بالتزامات أخرى تُكلف صاحب الفرن أيضا، والتي تتمثل بارتفاع أسعار الحطب، الكهرباء، الماء، العمال، الضرائب وغيرها من مستلزمات الفرن، هذا بالنسبة للأفران العاملة بالنظام التقليدي.
بخلاف ذلك يفيد مصدر مسؤول بمكتب التجارة والصناعة بأن سعر الكيس الدقيق صعد إلى 11 ألف ريال يمني لكنه تراجع إلى 9 آلاف، وأن السعر قبل الحرب لم يكن 4300 ريال كما قيل.
ويقول مدير عام استقرار الأسواق وحماية المستهلك بمكتب التجارة والصناعة في عدن، فضل صويلح، إن الوزارة سبق وسنّت قوانين خاصة بوزن الروتي والذي يتمثل بـ57 جراماً، على أن يكون السعر 20 ريالا للقرص الواحد، وهذه كانت آخر تسعيرة العام الماضي 2018م.
ويؤكد “صويلح” في حديثه” أن عملهم مستمر في الرقابة على الأفران بجميع مديريات محافظة عدن، ومن خلال هذه الرقابة تمت إحالة عشرين فرناً للنيابة وذلك بسبب التلاعب بأسعار الروتي ناهيك عن التلاعب بالوزن، ويدفع المخالف غرامة تقدر بـ (10) ألف ريال يمني على كل مخالفة.
لا وزن ولا طعم
يفيد “بلال خالد”، وهو عامل بأحد معامل صناعة الروتي، بأن إنتاج الكيس الواحد من الدقيق قبل الحرب، أي قبل خمس سنوات، من (1000 إلى 1100) قرص روتي، لكن هذه المعادلة سرعان ما تغيرت وأصبح إنتاج الكيس الواحد حالياً من (1500 إلى 1700) قرص.
وبحسب “بلال” فإن ما مقداره كيس إلا ربع من الخميرة (الشتوة) هي الكمية المعقولة للكيس الواحد إلا أن غياب الرقابة والوازع الأخلاقي لدى أصحاب الأفران يجعلهم يستخدمون كميات كبيرة للحصول على ربح أكبر.
ووضح تعمل الأفران بنوبة واحدة، ومنها نوبتين أو ثلاث، ويبلغ عدد ما تستهلكه النوبة الواحدة من (5 إلى 7) أكياس دقيق ويصل عدد استهلاك الأفران الكبيرة ذو الثلاث نوبات أكثر من (20) كيس في اليوم الواحد.
لم يفقد الروتي حجمه فقط بحسب الأهالي بل فقد الروتي طعمه المألوف، وذلك بسبب التلاعب في إضافة الخميرة، ناهيك عن عدم التقيد بكمية العجين المعهود، وبالرغم من إنزالها معايير التسعيرة وتحديد الحجم، إلا أن وزارة التجارة والصناعة لا تحدد معايير لصناعة الروتي، ومواد وكمية المكونات، وكيفية صناعته، وهذا ما يجعل أصحاب الأفران يعملون على التلاعب في حجم ووزن الروتي بحسب هواهم، وفقا لمواطنين.
صناعة الروتي
تتنوع صناعة الروتي بين الأفران الحجرية “التقليدية” والآلية حيث يعتمد الأخير على الكيروسين والغاز والديزل، فيما تعمل الأفران الشعبية على الحطب إلا أن المخابز الآلية تعمل بأكثر من نوبة.
وعن طريقة تحضيره يقول عامل في أحد الأفران بعدن، يخلط الدقيق بالماء والخميرة ولوازم العجين، ثم تعجن، ليقوم الخباز بوضعها في قوالب حديدية عددها (10) قوالب غالبا، ليضعها داخل الفرن، وفي بضع دقائق يصبح الروتي جاهزاً.
وليس الروتي المنتج الوحيد للأفران التي تنتج أنواعاً مختلفة منه، إضافة إلى الرغيف الأبيض والأحمر والكيك بأصنافها، وتختلف الطاقة الإنتاجية من فرن لآخر.
ويبلغ عدد الأفران في عدن ذات المديريات الثمان، (215) فرناً، بزيادة عشرة أفران خلال الأربع السنوات الماضية حيث كان عدد الأفران قبل الحرب (205) فرن، بحسب مصدر بالوزارة تحدث لـ”المصدر أونلاين”، ويعتمد الناس عليها بدرجة رئيسية في كل ما يستهلكونه من الخبز.
ويُعد استيراد الدقيق من المواد الأساسية المدعومة من قبل الدولة إلى جانب السكر والأرز، إلا أن انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، والناتج عن الحرب التي تشهدها اليمن للعام الخامس على التوالي ألقى بظلاله سلباً على الأسعار.
وارتفع سعر الريال اليمني أمام الدولار من 250 ريالاً قبل الحرب إلى 580 ريالاً، بفارق (375) ريالاً، لتتحول معه الكثير من متطلبات الحياة الضرورية إلى كماليات.
المصدر أونلاين – عمر محمد حسن