كشفت العمليات الإرهابية والإنتحارية الأخيرة التي نفذها تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” – في المكلا بحضرموت في 27 يونيو الأسبوع الماضي، وراح ضحيتها أكثر من 42 قتيل من قوات النخبة الحضرمية وإصابة 48 آخرين، مدى زيف تنظيم “داعش” وخداعه للشباب المسلم اليمني بتطاوله على الدين الإسلامي والإساءة لقيمه لقتله الجنود الأبرياء في العشر الأواخر من شهر رمضان، وفضحت أكاذيبه وادعائه لإقامة دولة إسلامية. لم يتخيل جنود قوات النخبة الحضرمية الصائمين، أن كرتون وجبة الإفطار الذي مدته لهم أيادي تتسر بالفضيلة – أيادي الغدر والخيانة والإرهاب – بإنها وجبة ملغومة لقتل النفس البريئة التي حرم الله قتلها إلا بالحق، لم يتصوروا يوماً أي مسلم ممكن يصل به الحقد والكذب والزيف والخداع للتستر خلف قيّم ديننا الإسلامي الحنيف، وما تأمرنا به تعاليمه بالقيام والقبول بالعمل الإنساني والفضيلة ؛ واستغلال عاداتهم وتقاليدهم التي عُرفت بها قبائل حضرموت خاصة واليمن عامة، باستقبال الصائمين على موائدها للإفطار، أو استلام وجبات الإفطار من أخوانهم الميسورين لمن إراد إفطار الصائم؛ ليتخذ من تستره خلف الأعمال الإنسانية “إفطار الصائم” غطاء ووسيلة لتسهيل وتنفذ جرائمه الإرهابية لقتل الأبرياء الصائمين. هل هؤلاء حقاً مسلمون؟
كان يظن هذا الجندي وذاك الضابط أنهم يتلقون إفطاراً من أيادي مسلمة لإفطارهم، عملاً بما أمرنا به الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ويروى عن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً”.- (رواه ابن ماجه والترمذي)0 لم يفكروا يوماً أن الجماعات الإرهابية ستصل إلى هذا المستوى من الحقد للتطاول على ديننا الإسلامي والمسلمين والمساس بالقيّم والتعاليم الإسلامية التي تدعونا للتكاتف والتآلف والتعايش والـتآخي في هذا الشهر الكريم، والتخفي خلفها لإراقة دماء المسلمين وقتل الأبرياء بأسم ديننا الإسلامي الحنيف، وهم في الأصل بعيدين كل البعد عنه، والإسلام برء منهم. فأي إسلام هؤلاء يدعون!
توقيت تنفيذ العمليات الانتحارية الإرهابية في المكلا مع لحظة الإفطار، وتجرد منفذيها من كل القيّم الدينية وتجرؤهم على إتباع الأساليب الرخيصة والجبانة للتخفي خلف الأعمال الإنسانية لتنفيذ جرائمهم الإرهابية التي لا يرضى بها الشرع ولا الدين، وترفضها عاداتنا وتقاليدنا في المجتمع اليمني، ينّم عن إستخفاف هذا التنظيم الإرهابي “داعش” بالإسلام والمسلمين؛ بل يعيد إلى أذهاننا تنفيذ (تنظيم القاعدة) لعمليات إرهابية مشابهة في أبين وشبوة ومأرب والبيضاء قبل أعوام، في نفس توقيت لحظة الإفطار حتى وأن أختلفت أساليب المكر والتفيذ هذه المرةن وتطورت مع ظهور تنظيم “داعش” الذي تبنى مسؤوليته عن تنفيذها في بيان نشره على الانترنت في نفس اليوم ، إلا أنها تؤكد أن التنظيمان لهما تاريخ واحد في المكر والخداع لقتل المسلمين وتشوية ديننا الإسلامي وإراقة دماء المسلمين، والإستخفاف بهذا الشهر الفضيل وحرمة الصائمين، فقتل الأبرياء وتشوية ديننا الإسلامي عملاً جبانا يجمعهما.
هذه الجريمة التي هزت مشاعر اليمنيين وتبناها تنظيم”داعش” هي تواصلاً لجرائمه التي تستهدف الإساءة لديننا الإسلامي الحنيف وتشويهه، وضرب لحمتنا اليمنية وعاداتنا وتقاليدنا القبلية والمجتمعية، وبالطبع لها أثرها السلبي على المدى القادم لتمزيق نسيج المجتمع والإساءة للعمل الإنساني وأحداث خدش في صورة التراحم والتآلف والتآخي الذي عُرف بها الحضارم خاصة وأبناء اليمن عموماً خلال شهر رمضان وغيره من الأوقات، التي يجسدون فيها أعمال الفضيلة والاحسان والرحمة لبعضهم البعض ومنها إفطار الصائم؛ لهذا علينا كشرائح متعددة في المجتمع إدانتها ونبذ من يقوم بها ، فلا أتصور إن ردة رجل قبلي من قبائل الوادي أو الصحراء بحضرموت – المعروفون بكرمهم – ستكون ردة فعل طبيعية وعادية عندما يواجه رفض أسرة أو امرأة أو شخص صائم استلام منه كرتون أو وجبة إفطار أو أي مساعدة أخرى – وهم في أمس الحاجة والعوز للمساعدة – خشية وتخوفاً من وجود فيها مواد متفجرة. لا أظن إن قبائل حضرموت برجالها وشبابها ونسائها ستقبل “الرفض” – من تمد له يدها – أو السماح لهذه التنظيمات الإرهابية بالإساءة لعاداتهم، وتغيير تقاليدهم وإكرامهم للضيف. لن يقبل أيضا رجال ينتمي القبائل بحضرموت أو اليمن عامة أن يقوموا بتفتيش ضيوفهم الذي وصلوا اليهم للجلوس على موائدهم.
إن هذه العناصر الإرهابية جعلت لحظة الفرح والسعادة لإكمال الصائم يوماً من صيامه وعبادة ربه، إلى لحظة لقتله وسفك دمائه الطاهرة هو ورفاقه، وهم يستعدون للإفطار والجلوس حول مائدة الإفطار التي حولتها جرائمهم الإرهابية والأساليب الحقيرة والقذرة لتنفيذها إلى مائدة الموت. فكيف لهؤلاء أن يكونوا مسلمين؟!
لن يصمت أبناء حضرموت أمام هذا الأعمال المنافية للعادات والتقاليد، ولن يقبلوا بوجود هذه العناصر الإرهابية في مناطقهم القبلية التي تسعى للمساس بعاداتهم وتقاليدهم، وتحاول إغلاق الأبواب أمام القيام بفعل الخير والعمل الإنساني أو السماح لها بتحويل موائد إفطارهم “الحضرمية” إلى موائد الموت، ومع كل هذا إلا إن الحذر واليقظة من الأساليب القذرة والجبانة التي تتخذها هذه التنظيمات الإرهابية لتنفيذ جرائمها تبقى من الضرورات التي ينبغي إن تلازم الجميع أثناء أنشطتهم اليومية.