الإخوانية والسلفية… وئام و خصام
صلاح السقلدي
لا خلاف فكري ديني بين حركة الإخوان المسلمين العالمية وبين التيارات السلفية الجهادية كما يعتقد البعض, فالخلاف الذي يظهر بينهما بالمنطقة -ومنها اليمن-بين الحين والآخر هو خلاف سياسي بامتياز. فالإخوان المسلمين حركة سياسية محضة تتطلع للوصول للحكم منذ نشأتها بعشرينيات القرن الماضي وأنّ أضفتْ على نفسها مسحة دينية لاستمالة العواطف الجماهيرية المجبولة على الإيمان أصلاً. كما أن التيار السلفي الجهادي -والوهابي بالذات- أداة سياسية بغلاف ديني بيد بعض المؤسسات السياسية الحاكمة بالمنطقة وأبرزها المؤسسة السياسية السعودية التي شكلّــتْ معها توأمة فريدة من نوعها للوصول والاحتفاظ بــ(الحكم) منذ التحالف التاريخي بين مؤسس المؤسسة الدينية الشيخ محمد بن عبدالوهاب والسياسية بقيادة محمد بن سعود بالقرن الثامن عشر. وخير دليل على توافق الطرفين “الإخوان والسلفية”، أن السلفية ألهمت الإخوانية بكثير من الأمور, فمؤسس الحركة الإخوانية حسن البنّــاء الذي استوحى اسم حركته من اسم: إخوان من أطاع الله، الذي عُــرفتْ به نواة جيش الملك عبدالعزيز مطلع القرن العشرين, كان على علاقة قوية بالملك طيلة حياته تقريباً …بلغ التقارب بين الحركتين ذروته في خمسينيات وستينيتان القرن الماضي وبالذات ضد الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر الذي قاد حركة التحرير العربية من الاستعمار الغربي ،حين غادرت على أثر الخلاف معه قيادات كثيرة من الحركة الإخوانية مصر الى المملكة ،بل وانضمتْ إليها في السعودية رموز إخوانية من أقطار أخرى مثل الإخواني الشهير السوري/ محمد بن سرور الذي مزّجَ بين فكر الإخوان والسلفية وأسس ما بات يعرف بالسرورية، والتي يتم اليوم التنصل منها ومن رموزها و محاربة افكارها بشدة و بشكل دراماتيكي، حيث يُــزَجُ ببعضهم بالسجون السعودية على وقع اشتداد الأزمة الخليجية، ومن أبرز تلامذته الإخواني الشهير\ سلمان العودة، الذي يقبع اليوم في أحد سجون المملكة منذ شهور مع عدد من رموز الإخوانية وبالذات رموز الصحوة نسبة الى ما كان يعرف بصحوة بلاد الحرمين في الثمانينيات.
واخطر كُــتب مفكري الإخوان مثل سيد قطب التي تدعو صراحة للعنف ومنها كتابه الشهير” معالم في الطريق” طُــبعت في السعودية عبر وزارة المعارف ،وتتماهى الحركتان بكثير من مواقف التطرف والتكفير, كواقعة تكفير الزعيم جمال عبدالناصر التي أبرزتْ لها صحيفة عكاظ عنواناً عريضاً بصفحتها الأولى عام 1962م: عبدالناصر كافر بالإجماع، في ذات الصفحة التي ابرزت اشادة ألأمير فيصل بحركة الإخوان بقوله :الإخوان أبطال جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.!
فلا ينخدع أحدكم بالخلاف الدائر بينهما اليوم سواء في اليمن أو بالمنقطة عموما، فهو كما أسلفنا سياسيا للظفر بالسلطة داخل كل قطر وبالزعامة بالمنطقة- مع أنهما جميعا بمن فيهم مَــن يوجههما تحت الهيمنة الأمريكية والغربية -…ففي الوقت الذي تحرّم فيه السلفية الحزبية في السعودية تحللها في بلدان أخرى, كما هو حاصلاً في اليمن الذي ظلت فيه السلفية تتخفى داخل جمعيات ومؤسسات خيرية مدعومة سعوديا قبل ان تنبثق الى أحزاب سياسية صريحة بعد ثورات الربيع العربي كحزب الرشاد وهو الحزب الذي أمينه العام عبدالوهاب الحميقاني مُــدرجا ضمن قوائم الإرهاب السعودية الإماراتية ويقيم حاليا بالرياض- في مفارقة غريبة-، تأسس الحزب عام 2012م، بعد الإطاحة بالرئيس السابق صالح, وبعد عودة الإخوان- حزب الإصلاح- الى واجهة المشهد اليمني على إثر ثورة 2011م.وفي ومصر كحزب النور السلفي الذي ظهر فجأة بعد ثورة الربيع العربي أيضاً بلمسات سعودية واضحة لمجابهة تعاظم حضور حركة الإخوان هناك قبل أن يتم الإطاحة برئيسها محمد مرسي المنتخب شعبياً..وفي الوقت الذي تستهجن فيه اليوم حركة الإخوان الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في مصر, فقد كانت الذراع الأيمن لانقلاب الرئيس السوداني البشير عام 1989م على الرئيس الراحل جعفر النميري في مفارقة غريبة أيضاً،وبالتالي فهي لا ترى في الانقلابات العسكرية مشكلة حين تكون جسر عبور للسطلة, وترى فيها كارثة مزلزلة حين تنسف وجودها من السلطة. وفي الوقت الذي تندد فيه اليوم السعودية معقل السلفية الجهادية بدعم قطر للإرهاب والتي تمول الإخوان وتستضيف بعض رموزها بالدوجة فقد كانت الرياض من أوائل الدول القليلة التي اعترفت بحكومة طالبان نهاية التسعينيات, وهي الحركة التي تشكل عنوانا للإرهاب بالمنطقة- على الأقل وفق التصنيف الأمريكي الذي تحسب له الرياض وكل دول الخليج ألف حساب.
وما يدور اليوم في تعز من صراع بين الطرفين” الإخواني والسلفية لا يخرج عن سياق الصراع الرامي الوصول للسلطة والفوز بالنفوذ. فالسياسة التي جمعت الطرفين مرة فرقتهما مرات.. فحين جمعتهما ضد طرف واحد” الحركة الحوثية” خلال سنوات في دماج وأماكن أخرى,وضد الجنوب والحزب الاشتراكي والقوى اليسارية الأخرى فقد فرقت شملهما اليوم بتعز, وربما سنرى بإمكان أخرى.. فالسلفية كما أشارنا سابقا هي أداة سياسية بيد الغير، والإخوانية تنشد الحكم باستماتة, فهي أي السلفية كذلك اليوم بيد التحالف ضد الحركة الإخوانية التي تصنفها كل من الرياض وابو ظبي بالإرهابية, كما أن قطر التي تدعم الحركات الإخوانية تدعم إخوان اليمن, وبالتالي يؤكد هذا المشهد اننا إزاء خلاف وتنافس سياسي وصراع نفوذ وهيمنة بأدوات دينية بالمنطقة عموما وباليمن خصوصا, ولا علاقة للدين بكل ذلك غير أنه مفترى عليه ..!
*صلاح السقلدي