ضباط وجنود جنوبيون يقبعون في سجون السعودية بجيزان…لماذا السكوت عنهم؟
صلاح السقلدي
ما تزالُ المملكة العربية السعوديّة تعتقلُ العشرات-وربما المئات- من الضباط والجنود اليمنيين -جميعُهم من الجنوب- منذ قرابة عام، بعد أن تم الزج بهم في سجون منطقة جيزان جنوب المملكة بمجرد انتهاء الدورة التدريبية التي اُرسل لتأديتها هناك في مجال مكافحة الإرهاب ثم العودة إلى عدن لممارسة مهامهم -بحسب ما كان مقرراً- أَوْ بالأصح بحسب ما تم إيهامهم أنه سيحدث-.
ففي الوقت الذي كان يتجهز فيه هؤلاء للعودة إلى عدن، تصدر لهم فجأة أوامر عسكرية سعوديّة عبر الطرف العسكري اليمني المشارك بالحرب إلى جانب المملكة تقضي بالتوجه إلى جبهات القتال للدفاع عن حدود المملكة الجنوبية” المعروفة بـ “الحد الجنوبي” وإلى جبهة ميدي في أقصى الشمال الشرقي لليمن، وجبهات أخرى يتم فيها منذ ثلاثة أعوام إرسال الآلاف من الشباب من الجنوب باسم المقاومة الجنوبية وعلى حساب القضية الجنوبية أَوْ تحت اسم الجهاد ضد المجوس والروافض بحسب الفكر الوهابي الذي تعتنقه معظم الجماعات المتطرفة التي تقاتل منذ بداية الحرب في صف السعوديّة والإمارات وبصف السلطة الموالية لهما المسماة بــ ”الشرعية”، ولكن هؤلاء المعتقلون رفضوا تلك الأوامر برغم العروض المالية التي قدمتها لهم السعوديّة عبر وسطائها اليمنيين، معتبرين هكذا قرار بــ ”خديعة معيبة” بوجوههم واستغلالا مشين لشظف عيشهم الذي يعانون منه هم وَأسرهم، ليتم بالأخير الزج بهم في سجون غاية بالسوء والبؤس، سواءً من حيث المعاملة المتعجرفة أَوْ من حيث الأوضاع المعيشة المزرية ورداءة العلاج بحسب شهادات من بعض اسرهم.
لا تقتصر المعاناة على هؤلاء الضحايا فقط بل على عائلاتهم في الداخل التي تعاني مرارة شظف العيش وفقره المدقع، في ظل أوضاع حرب لم تبقِ ولم تذر لهم شيئاً من حُــطام العيش والدنيا، وفي ظل تعتيم إعْــلَامي فظيع لهذه القضية مِــنْ قِــبلِ السلطة الحاكمة في عدن” الشرعية” والتي لا تجرؤ أن تنبس ببنت شفة بهذا الموضوع في موقف مخزي للغاية خوفاً من غضب دوائر الحكم بالرياض أَوْ تحسباً لقطع مكرمة ملكية أميرية دسمة. ونفس الموقف المخيب الآمال تسجّله المنظمات الحقوقية والمنابر الإعْــلَامية العربية والدولية؛ إما بسبب شراء ذمم تلك الجهات كما حصل بصورة واضحة وفاضحة مع منظمة حقوق الإنْسَــان التابعة للأمم المتحدة التي حاولت أصوات داخلها مناقشة مسألة ضحايا الطيران التحالف” السعوديّة والإمارات”، قبل أن يتم شراء موقف المنظمة وإخراسه، أَوْ خشية من الصولجان السعوديّ المؤلم.
يحدث هذا في وقت يتم فيه بين الحين والآخر اعتقال العديد من قيادات القوات الموالية للرياض المسماة “الجيش الوطني” في سجون سعوديّة بعدة مناطق من المملكة، بالتوازي مع حملة واسعة النطاق لطرد الآلاف من المغتربين اليمنيين من المهجر السعوديّ بصورة أَكْثَــر تعسفاً وشقاءً، دون أية مراعاة سعوديّة للجانب الإنْسَــاني ولأوضاع حرب هي” المملكة” من سعتْ إلها حثيثا، ضاعف هذا من حالة أسر هؤلاء المعتقلين ضمن معاناة شاملة لليمنيين شمالاً وجنوبا، ضربت صميم حياتهم المعيشية والأمنية والاجتماعية باستثناء فئة نخبوية نفعية طفيلية حبَتْ ورَبَـــتْ وتضخمت طيلة ثلاثة سنوات ونصف سنة تقريباً، هي عُـمرُ هذه الحرب المدمّــرة، تستميت باسم الشرعية اليمنية على إطالتها الحرب واجهاض أية مساعٍ لإنهائها أَوْ الشروع بتسوية سياسية شاملة، مستغلة التأييد الإقليمي الذي تتمتع به الجهة التي تستظل بظلها وتتخفى بجلبابها وهي السلطة المسماة بـــ” الشرعية” المدعومة سعوديّاً وإماراتياً وتحظى بتأييد دولي وإقليمي كجهة تستمد منها هذه الحرب غير المعلومة الغايات والنوايا شرعيتها” المفترضة”.
كان لكاتب هذه السطور لقاءاتٌ مع بعض ذوي المعتقلين، من أطرف وأوجع ما سمعته كان تعليق أحدهم الذي قال بمرارة لا تخلو من الدعابة: يا ابني أريد أن يعيدوا ابني لأطمئن عليه بأنه ما يزال حياً وليس ليعود إلى الجنة التي نعيش فيها فلم يعد الأمر يفرق بالنسبة لنا بين سجن جيزان الصغير وسجن اليمن الكبير بعد أن تحول الوطن إلى معتقل كبير تحت وطأة المعاناة والضيق، فربما يكون سجن جيزان أرحمَ بكثير من سجننا الكبير هذا، ولكن؛ لأنَّه ابني فقط أريده أن يعود إلينا، واللهُ المستعان.