«الإندبندنت»: مغامرات «بن سلمان» المتهورة تضعف مكانة المملكة في العالم
المشهد الجنوبي الأول |متابعات
لا يمكن التفكير في غير ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» كرجل العام في الشرق الأوسط، لكن هذا ينبع من إخفاقاته أكثر من نجاحاته. وقد تم اتهامه بالميكافيلية في طريقه إلى العرش، من خلال قضائه على المعارضين داخل العائلة المالكة وخارجها. وفيما يتعلق بوضع المملكة العربية السعودية في العالم، فإن أخطاءه الكارثية تقول إنه يفتقر للمناورات الميكافيلية الماكرة وأنه أقرب إلى سذاجة المفتش «كلوزو».
مرارا وتكرارا، شرع الأمير المتهور في مغامرات في الخارج لم تحقق إلا عكس ما كان يتمنى. وعندما أصبح والده ملكا في أوائل عام 2015، قدم «بن سلمان» الدعم لهجوم المعارضين في سوريا، وقد حقق بعض النجاح، لكنه أثار تدخلا عسكريا روسيا واسع النطاق، مما أدى بدوره إلى انتصار «بشار الأسد». وفي الوقت نفسه تقريبا، شن الحملة العسكرية السعودية للتدخل في اليمن. وأطلق عليها اسم «عاصفة الحزم»، لكن بعد عامين ونصف العام، ما زالت الحرب مستمرة، وقد قُتل 10 آلاف شخص تقريبا بسببها، ودفعت ما لا يقل عن 7 ملايين يمني إلى حافة المجاعة.
ويركز ولي العهد في السياسة الخارجية السعودية على المعارضة العدوانية لإيران وحلفائها الإقليميين، لكن تأثير سياساته لا تقدم سوى زيادة النفوذ الإيراني. وأدت خلافاته مع قطر – التي تلعب فيها السعودية والإمارات دورا رائدا، إلى فرض حصار على الدولة الخليجية قبل 6 أشهر، ولا يزال قائما. وتمثلت جريمة القطريين في دعم حركات تابعة لتنظيم القاعدة، وهو اتهام صحيح تقريبا، لكن يمكن اتهام السعودية بنفس الاتهام وبنفس القدر، كما تم اتهام قطر بأن لها علاقات ودية مع إيران. وكانت نتيجة الحملة المناهضة لقطر هي دفع الدولة الصغيرة – الغنية بالغاز – إلى أبعد من ذلك في علاقتها مع طهران.
ودائما ما اتسمت العلاقات السعودية مع الدول الأخرى بالحذر والهدوء والميل إلى الحفاظ على الوضع الراهن. لكن تصرفات ولي العهد – اليوم – مزعجة وغير قابلة للتنبؤ، وغالبا ما تكون عكسية؛ حيث يظهر ذلك – بشكل جلي – في التصرف الغريب عندما استدعى رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» إلى الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني، ولم يسمح له بالرحيل وأجبره على الاستقالة من منصبه. ويبدو أن الهدف من هذا العمل غير المدروس من جانب المملكة كان إضعاف حزب الله وإيران في لبنان، ولكن من الناحية العملية، فقد عزز وضع كل منهما.
وما تشترك فيه هذه الأعمال السعودية، هو أنها تستند إلى افتراض ساذج بأن «أفضل سيناريو ممكن» سيتحقق حتما. ولا تكون هناك «خطة ب»، بل ربما لا توجد «خطة أ» أيضا؛ حيث تفتعل المملكة الصراعات والمواجهات، ثم لا يكون لديها فكرة عن كيفية وضع حد لها.
وقد يتصور «بن سلمان» ومستشاروه أنه لا يهم ما يعتقد اليمنيون أو القطريون أو اللبنانيون، طالما كان الرئيس «دونالد ترامب» وصهره «جاريد كوشنر» – مستشار الرئيس للشرق الأوسط – إلى جانب القيادة السعودية. وقد كتب «ترامب» في تغريدة له في نوفمبر/تشرين الثاني: «لدي ثقة كبيرة في الملك سلمان وولي عهد المملكة، وهما يعرفان بالضبط ما يقومان به»، وكان ذلك بعد جولة اعتقالات طالت نحو 200 من أعضاء النخبة السعودية. وفي وقت سابق، كتب تغريدة لدعم محاولة عزل قطر، باعتبارها مؤيدة للإرهاب.
لكن على المملكة أن تتعلم أن الدعم من قبل البيت الأبيض – في هذه الأيام – يجلب مزايا أقل مما كان عليه في الماضي. وقد يدوم اهتمام «دونالد ترامب» لفترة قصيرة جدا، مع انشغاله بالسياسة الأمريكية المحلية. ولا تعني موافقته بالضرورة موافقة أجزاء أخرى من الحكومة الأمريكية. وقد لا توافق وزارة الخارجية والبنتاغون على تغريدات «ترامب» الأخيرة، بل تسعى إلى تجاهلها أو الالتفاف عليها. وعلى الرغم من تغريداته الإيجابية، لم تدعم الولايات المتحدة المواجهة السعودية مع قطر أو محاولة دفع «الحريري» للاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء في لبنان.
من جانبه، يكتشف البيت الأبيض حدود القوة السعودية. ولم يتمكن «بن سلمان» من إقناع الزعيم الفلسطينى «محمود عباس» للموافقة على خطة سلام ترعاها الولايات المتحدة من شأنها أن تعطي (إسرائيل) الكثير من المزايا ولا شيء تقريبا للفلسطينيين. وقد تبدو فكرة التحالف السعودي الإسرائيلي السري ضد إيران جذابة لبعض مراكز التفكير في واشنطن، غير أنه لا معنى لها على أرض الواقع. ويبدو أن الافتراض القائل بأن اعتراف «ترامب» بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) – ووعده بنقل السفارة الأمريكية إلى هناك – لن يكون له أي آثار طويلة الأجل على المواقف في الشرق الأوسط بدأ يظهر خطؤه.
معزولة بشكل متزايد
وقد أصبحت السعودية – وليس منافسيها – معزولة بشكل متزايد. وتغير توازن القوى السياسية في المنطقة إلى وضع غير مؤات للمملكة على مدى العامين الماضيين. وبعض من هذا يسبق صعود «بن سلمان»؛ فبحلول عام 2015، أصبح واضحا أن مجموعة من الدول السنية – بقيادة السعودية وقطر وتركيا – قد فشلوا في تغيير النظام في دمشق. وقد تفرقت هذه المجموعة القوية مع اقتراب تركيا وقطر من المحور الذي تقوده إيران بقيادة روسيا، وهي القوة المهيمنة في المنطقة الشمالية من الشرق الأوسط، بين أفغانستان والبحر الأبيض المتوسط.
وإذا أرادت الولايات المتحدة والسعودية فعل أي شيء لمواجهة هذا الوضع الجديد، فإنها قد أدركت ذلك في وقت متأخر جدا. وهناك دول أخرى في الشرق الأوسط تدرك أن هناك فائزين وخاسرين، ولا يرغبون في أن يكونوا على الجانب الخاسر. وعندما دعا الرئيس «رجب طيب أردوغان» إلى عقد اجتماع طارئ في إسطنبول – هذا الأسبوع – لمنظمة التعاون الإسلامي – التي تضم 57 دولة مسلمة – لرفض وإدانة القرار الأمريكي بشأن القدس، لم ترسل السعودية سوى ممثل صغير عنها. لكن قادة دول آخرين مثل الرئيس الايراني حسن روحاني والملك «عبد الله» ملك الأردن وأمير الكويت وأمير قطر حضروا بأنفسهم من بين دول أخرى كثيرة، واعترفوا بالقدس الشرقية عاصمة فلسطينية، وطالبوا الولايات المتحدة بالتراجع عن قرارها.
وقد يكون «بن سلمان» – مثله مثل غيره من القادة في الشرق الأوسط – يستخدم الميكافيلية في تعزيز وضعه الداخلي، ولكن نجاحه الداخلي يعطيه إحساسا – مبالغا فيه – بقدرته على التعامل مع الشؤون الخارجية، وقد يكون لهذا عواقب وخيمة. وكان صدام حسين حاسما جدا في السيطرة على السلطة في العراق، ولكنه دمر بلاده ببدء حربين لم يتمكن من الفوز بهما.
وكثيرا ما تكون الأخطاء التي يقوم بها القادة الأقوياء ناتجة عن الكثير من الغرور والجهل، ويستكمل ذلك بالحصول على النصح والمشورة المضللة من كبار المساعدين. وغالبا ما تكون الخطوات الأولى في التدخل الأجنبي مغرية للقائد الذي يقدم نفسه كحامل للواء الوطني، ويكون هذا التدخل مبررا لاحتكار السلطة في الداخل. مثل هذا الموقف الوطني هو اختصار للشعبية، ولكن دائما ما تنتهي المواجهات والحروب بالإحباط والهزيمة. وقد قرر «بن سلمان» – بشكل غير مشروع – أن تلعب السعودية دورا أكثر نشاطا وعدوانية، في الوقت الذي ينهك فيه قوتها السياسية والاقتصادية الحقيقية. وهو بذلك يضعف بلاده ويصنع الكثير من الأعداء.