يطرح توالي المواجهات المسلحة التي تدور رحاها في بعض مناطق محافظة عدن بين قوى جنوبية خالصة، عدة أسئلة هامة:
من يقف خلف هذه المعارك الخاسرة؟
ومن يدعمها؟ ولمصلحة من ستؤول نتائجها إذا كان الطرفان المتقاتلان جنوبيين؟
ثمة تصعيد تشهده عدن دوناً عن مدن اليمن عامة والجنوب خاصة، فهل آن لنا أن نقف بعقلانية إزاء هذا التصعيد وتحديد أطرافه والوقوف في وجه رعاته؟!
مواجهات منطقتي البريقة وخور مكسر تؤكد مخاوفنا التي عبرنا عنها أكثر من مرة. ومن ينظر إلى هذه الأحداث بسطحية، وينعتها بغير مسمياتها الحقيقية، فهو غير متصالح مع الواقع. فمعركتا البريقة وخورمكسر، وقبلهما معركة المطار، تأتي في إطار مخطط صراع، وتمثل نقطة بداية لمرحلة جديدة من الصراع ستكون بمثابة محطة انتقال من الصراع السياسي إلى الصراع العسكري إذا لم يتلافاها العقلاء.
من يدعي أن القتال في مدن عدن هو ضرورة ثورية تهدف إلى تحرير الجنوب، فإننا نقول له إننا لسنا في حاجة إلى ثورة تحرر الجغرافيا وتقتل الإنسان. ومن يدعي أن القتال هو خطوة مهمة في معركة «التحالف» ضد «العدوان الحوثي – عفاشي»، فإننا نذكّره بأن هذه المنطقة قد تحررت، ونذكّره بأن بيحان ومكيراس وغيرهما من مناطق الجنوب ما زالت محتلة، ناهيك عن مدن ومحافظات الشمال التي تأتي في مقدمتها العاصمة اليمنية صنعاء .
ومن يدعي أن هذه المواجهات تأتي لترسيخ دعائم سلطة الدولة في عدن والجنوب، نقول له إن سلطة الدولة لن تدخل إلا من بوابة الحل السياسي الذي يحسم الخلاف بين القوى السياسية والثورية الجنوبية، والذي سيشكل أول خطوات السيطرة على المنافذ الجوية والبحرية، وينزع أسلحة العصابات بمختلف مسمياتها وولاءاتها في عدن والجنوب.
إن توجيه سلاح الجنوبي ضد الجنوبي، مهما كانت مبرراته، أمر يخالف كل الأخلاقيات، وينسف مبدأ التصالح والتسامح الذي سارت عليه الثورة الجنوبية، ويهدد سلامة أركان الجنوب الذي يحلم به الجنوبيون، والذي ناضلوا من أجله على مدى أكثر من عشرين عاماً، كما أن الولوج إلى جنوب الغد من بوابة الدم واقتلاع الآخر والاستقواء بالخارج في مواجهته أمر يؤسس لصراع لن يرى فيه الجنوب تطوراً، بل إنه قد يحول دون تحرر هذا الجنوب.
إن ما تشهده عدن وغيرها من مناطق الجنوب من أحداث يعيدنا إلى مشاهد أحداث ستينيات القرن المنصرم، والتي اندلعت بين فصائل الجنوب الثورية، وأفضت إلى انتصار طرف وإقصاء وتشريد أطراف أخرى، وانعكست لاحقاً سلباً على الحياة السياسية في الجنوب، وتخللتها عدة دورات دامية دفع فيها الجنوب خيرة أبنائه، وقادت الجنوب إلى الانتحار الجماعي في 22 مايو 1990م.
لقد تمادت أطراف صراع الأهداف الخاصة في الجنوب، وإذا لم تخرج القوى الجنوبية عن صمتها المخجل، وتتخذ موقفاً وطنياً إيجابياً في وجوه هؤلاء المتصارعين ومشاريعهم، فإننا جميعاً سنلج نبوءة المخلوع علي صالح: الصوملة، خصوصاً أن
بعض الاطراف المتصارعة تحتضن في قوام هيئاتها من يعتنق العنف حلاً لمواجهة التباينات والاختلافات، بل إن لأصحاب هذه العقيدة الكلمة العليا والتواجد الطاغي في إطار تنظيماتهم ومكوناتهم، الأمر الذي يضعنا أمام مسؤولية وطنية وإنسانية، نوجّه انطلاقاً منها صرخة للإقليم والعالم بضرورة وضع حد لما يحصل في عدن والجنوب عامة.