جوهر الصراعات التي حولت الجنوب عاليها سافلها؟؟
بقلم/عياش علي محمد
الصراعات التي شهدها الجنوب طيلة فتره استقلاله الوطني، لم تكن عفوية ولا كانت أيضا مجرد ردات فعل لأفعال غير محسوبة، لكن قراءة واقعية لتلك الأحداث ، أوحت للكثيرين بأنها لم تكن إلا عبارة عن (سيناريوهات ) خطط لها مسبقا منذ أمد بعيد ، وخطتها عقول وخبرات عابرة للقارات ، تفوق قدرات تلك التي أوكلت اليها تطبيق تلك السيناريوهات .
ولا يزال الجنوبيون لا يجدون الإجابات الشافية حول معنى تلك الصراعات التي كانت تأتي دوريا وبانتظام وبمسميات ليس لها علاقة بجذور الهوية الجنوبية.
ولم يجد الجنوبيون تفسيرات كيف تتحول وظيفة عدن التجارية ، من ميناء حرد سوقا للتجارة الرأسمالية الحرة ، إلى عاصمة للتوجه الاشتراكي.
وكيف جرت تحولات (راديكاليه) في الجنوب باتجاه التعلق بالأنظمة الاشتراكية، في حين ظلت الجمهورية العربية اليمنية بعيدة عن تلك التحولات وهي التي سبقت الثورة الجنوبية بعام واحد، وكيف تمتعت صنعاء بنظامها السياسي التقليدي دون أن تمسه حركة التغييرات كالتي في الجنوب ، واستمر كامتداد للنظام الملكي التقليدي، وواصل وجودة متمتعا بالامتيازات التي كان يحصل عليها لقاء دفاعه عن الأنظمة الملكية في الخليج ومحاربته للنظام الاشتراكي في الجنوب.
وإذا ناقشنا طبيعة تلك الصراعات سنجد أنها كانت موجهه للاستحواذ على السلطة في إطار التكوين السياسي الواحد ، والعقيدة الواحدة، وكيف أن النظرية الميكافيلليه كانت طاغية في سلوك من هم في سدة الحكم، والتي كانت تمتثل لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وجرت الصراعات على غير ما كانت توصي به المبادئ السياسية التي التزموا بالتقيد بأصولها ، وانجرفوا بعيدا عن بناء العقل الإنساني ، وبناء الأمة وتنمية الوطن.
وتلك الصراعات لا تخرج عن أفلاك النظريات التي تتواجد في أحشائها الاخطاءات السلبية، ففي كل نظرية توجد ايجابيتها وسلبياتها ، وكل سياسي حصيف يتعلم كيف لا يكون متطرفا إلى جانب نظرية تحمل مشاكلها السلبية.
ولو كانت الصراعات قد التزمت بالمبادئ التي تحملها الاشتراكية العملية مثل الوحدة التنظيمية ، والمركزية الديمقراطية ، والأقلية تخضع للأغلبية ، لكانت الأمور سارت بخطها الاعتيادي دون أية اعتواجات .
لكن السيناريوهات كانت أقوى من المبادئ ومن التلاحم والأخوة.
فالقوانين التي صدرت عقب الإطاحة بحكم الرئيس قحطان محمد الشعبي بعد حركة يونيو التصحيحية عام 1969، جاءت كتمهيد أولي وخطوة سابقة لأوانها لمشروع الجناح اليساري في الجبهة القومية لتحقيق الوحدة اليمنية بين الشطرين، عبر عنها جهرا ، والتخطيط لها سرا، لتحقيق وحدة يمنية ذات أفق اشتراكي.
والسيد قحطان محمد الشعبي رجل الكفاءة العلمية والذي تخرج من جامعة الخرطوم الزراعية ، ومعه رجل العبقرية السياسية السيد فيصل عبد اللطيف لم يستجدينا لتطلعات الجناح اليساري ، ولما كانا يمثلان عقبة أمامها، قام الجناح اليساري بالإطاحة بهما والانفراد بالسلطة.
وكان السيد قحطان الشعبي ومعه ابن عمه فيصل عبد اللطيف الشعبي واقعيين رافضين فكرة الوحدة الفورية ، والتمسك بمبدأ التحضير لهذه الوحده عبر تبني مشروع إصلاحات يقوم بها الشطرين لتمهيد التقارب بينهما عبر الالتزام ببرامج ثنائية يتم فيها التقليص (التدريجي ) للفوارق الاجتماعية بين الشطرين ، والتخلص من كل الموروثات المتخلفة عبر فتره زمنية محدده، وبعد الانتهاء من ذلك يحق للشطرين بناء امة يمنية واحدة.
وبعد استيلاء الجناح اليساري للجبهة القومية على الحكم بدأ فورا للتمهيد الوحدوي عبر إصدار قوانين (راديكالية) تحاول كما كان يعتقد ذلك من دمج أبناء الشطرين عبر تلك القوانين ، فأصدر قانون الجنسية اليمنية وألغى قانون الجنسية الجنوبي ، ليصبحا الشمالي والجنوبي لهما هوية يمنية واحدة، واصدر قانون التأميم للمرتفعات الاقتصادية فأقصى التجار الجنوبيين وأحالهم إلى الشمال، بينما سيطر التجار من الشمال على احتكار عل شيء في الجنوب بما في الجنوب بما في ذلك ما يتعلق بالوكالات الأجنبية.
واصدر قانون الإصلاح الزراعي الذي بموجبه قام بتمليك من كانوا يخدموا عند مالك الأرض الجنوبية إلى ملاك جدد، عبر انتزاع الأرض الزراعية من ملاكها الأصليين وتحويلها إلى من كانوا يعملون بالأجرة (وفقا لمبدأ الأرض لمن يملكها) وكانت هذه الإجراءات الراديكالية خطوة أوليه في حالة أن اليمن توحد تكون تلك الإجراءات مطبقة أيضا في الشمال اليمني على هدى أهداف الجناح اليساري ، وفي حالة أن الجناح اليساري هو فيصل الحكم في اليمن
لكن الرياح تجري بما لا تشتهية السفن ، فقد انهار الاتحاد السوفياتي وجاء جربا تشوف بنظريته (البروستركا) تخلى بموجبها عن الأنظمة الاشتراكية التي كانت تسير في فلكه، فأصبح الجناح اليساري منزوعة قوته وضعيفا بعد أن تخلت الإمبراطورية الروسية عنهم ، بعدها تخلى الجناح اليساري عن مشروعة في القمة دولة وحدوية ذات أسس اشتراكية ، لان الظروف السياسية أصبحت غير مواتيه لتنفيذ ذلك المشروع ، ورفض التمسك بمشروعة بعد أن وجد أن تحقيقه غير قابل للتحقيق ، وأصبحوا جزرا ضئيلا يتوارى في كل لحظة ، ولم يسمح له قانون التطور بالصمود أمام حركة التاريخ، ولم يتجدد مسماه ولم يتصلب عوده بالاعتماد على عناصره العقائدية بل أنزوى تحت (مجمع جزئي) ساعد هو الأخر على آبهات دورة.
واليوم يتذكروا قول قحطان الشعبي بعد قبوله لوحده لا يعرف دهاليزها ، ولا يريد أن يضحي بتجربة لا يزال عودها طريا ولا تقوده العاطفة إلى الدخول في مغامرة وليزال حكمة لم يمض علية سنتان..
هذه الدروس وصنفناها للاستفادة منها .. فبناء الأمة تحتاج إلى سياسة وحكمة وتوازن وليس شيئا آخر.