الموت في جبهة البريد
بقلم/عبدالله ناصر العولقي
هناك أسماء عديدة لجبهات القتال وعُرِف غالبيتها من خلال نشرات الاخبار التي توافي باخبار المعارك الجارية في مختلف الجبهات وانبأ الشهداء الذين سقطوا في تلك الجبهات فكثير مايسمع عن فلان ذهب يقاتل في جبهة باب المندب ، المخا ، تعز ، البقع او مارب وعاد محمول فالحرب طال امدها واستنزفت ارواح البشر كما استنزفت موارد البلاد ، فلم يكف السلطة ارواح ابناء الجنوب التي تحصد في مختلف الجبهات لتضيف عليهم جبهة اخرى هي جبهة بوابة البريد!! .
لقد جاء نبأ وفاة المتقاعد عبدالله عثمان القباطي الذي يتجاوز عمره الستين عام عند بوابة مركز بريد خورمكسر ولم يكن هذا هو الاول لقد سُمِع مثيل لهذه الحالة من قبل ، فما حدث امام بوابة بريد خورمكسر وحسب ما ورد في صحيفة عدن الغد عدد يوم الاحد ١٩-٣-٢٠١٧م وفاة المتقاعد على بوابة بريد خورمكسر يوم السبت والمعروف ان يوم السبت اجازة يكون فيها البريد مغلق ، فهناك احتمال ان يكون خطأ في توقيت الحادثة و تكون وقعت يوم الخميس او يكون توقيتها صحيحاً وحدثت بالفعل يوم السبت ولكن المتوفي لم يعد يميز بين ايام غلق البريد وفتحه لظروفه الصعبة وللهموم التي انهالت عليه وارهقته من جراء انقطاع معاشه الضئيل الذي لا يسد متطلبات حياته عند استلامه فما عساه يفعل بمتطلبات حياته عند انقطاعه! .
على كلاً هذا الخبر مثّل ماسآة حقيقية تعكس واقع مؤلم تجرعه المتقاعدين لفترة من الزمن منذ اندلاع الحرب الى يومنا هذا وقد ارتفع حجم المعاناة وزادت سخونتها منذ حوالي سنة ولازالت المعاناة تتفاوت بين صعود وهبوط وكانت قبل شهور عديدة في ذروتها وكان حشود المتقاعدين رجال ونساء وغالبيتهم كبار بالسن يحتشدون على البريد في محافظة عدن وبشكل يومي صباح ومساء بصورة مهينة لكرامة الانسان وعزته ، اتذكر جيدا كثير من المواقف المثيرة للدهشة والحزن معاً ، حين كنت ارى جماعات من النساء واخرى من الرجال وهم يتقاطرون نحو مركز البريد في الظلام الدامس وقبل ان يبزغ شعاع الفجر ، فيستقبلوا اشراقة الشمس عند طلوعها ويودعوا نورها عند غروبها وهم على عتبات بوابة البريد التي ان فتحت تدفقوا في طوابير داخل بهو البريد ولكن خزنتها تأبى ان تفتح لكونها فاضية ولم تشحن بالمال ، فيعودوا ادراجهم خائبين وتتكرر هذه الصورة المؤلمة حقاً بشكل يومي وهم ذهاباً واياباً يحملون الأمل والخيبة .. الرجاء والحسرة ، لقد تألموا كثيراً وصبروا طويلاً وللصبر حدود .
لا يجب على الحكومة ان تفتح جبهات اخرى وترتكب هفوات ضد مواطنيها وتشعل نار هي في غنى عنها ، يكفي الناس دفاعهم ومواجتهم البطولية لمن حاربهم من عصابات الحوثي والمخلوع ، فلا تتقمص الحكومة دور مشابه دون قصد وتفتح جبهة المعاشات والرواتب للمتقاعدين والموظفين مدنيين وعسكريين ،وتحاربهم في مصدر قوتهم فبذلك لن يُلتمس لها العذر وسوف تكون امام نظرهم الخصم والعدو وتضع نفسها في محنة انكى واشد ، حيث تصنع منهم جيش جرار ربما يتجه نحو بوابة معاشيق.